من يخلف جونسون في رئاسة الحكومة البريطانية؟
في السابع من يوليو الماضي، قدم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون استقالته رسمياً من رئاسة حزب المحافظين ورئاسة الحكومة، وأعلن عن استمرار الحكومة مؤقتا لتصريف الأعمال لحين انتخاب رئيس جديد للوزراء، وذلك بعد أشهر من الأخذ والرد، وبعد كم من الضغوطات التي تعرض لها من جانب أعضاء حزبه المحافظين وحزب العمال، خاصة بعد موجة الاستقالات التي واجهها بوريس جونسون مؤخرا من قبل مسئولين في حكومته، حيث تقدم ما يتجاوز الثلاثين وزيرا استقالته خلال الأيام الأخيرة لجونسون في منصبه، وتجرى في الوقت الراهن عملية اختيار رئيس الوزراء القادم من قبل مجلس المحافظين. وبالتالي، من هو المرشح الأوفر حظا لخلافة جونسون؟، وهل سيكون للأخير دور في عملية اختيار رئيس الوزراء الجديد؟، وكيف سيؤثر ذلك على تعامل بريطانيا مع بعض الملفات الخارجية في الوقت الراهن؟.
استقالة مبررة:
بعد صراع خاضه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لأشهر على عدة جبهات، وبعد الضغوطات التي واجهها من جل مؤسسات الدولة والمقربين منه تقريبا ممن حثوه على تقديم استقالته. ولكن جاءت الاستقالات المتوالية في حكومته من وزراء وكبار المسئولين بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير؛ حيث شهدت حكومته استقالات شملت ما يقارب الخمسين وزيرا ومسئولا حكوميا كبيرا، من بينها ٢١ استقالة خلال ٢٤ ساعة فقط، وذلك بعد ساعات من إعلان جونسون تصميمه الاستمرار في رئاسة الحكومة حفاظا على الاستقرار، ليعود في اليوم التالي ويعلن استقالته رسميا عن منصبه.
وتسبب في تلك الموجة العاتية من الاستقالات فشل جونسون في طي صفحة قضية بارتي جيت تماما. ففي ٢٠٢٠، أقيمت عدة احتفالات في مقر الحكومة داونينغ ستريت بحضور رئيس الوزراء المستقيل بوريس جونسون وبعض مسئولي حكومته، كان قد أنكرها في وقت سابق، حتى عاد وأقر بها فيما بعد واعتذر عنها، لتوجه له بعدها اتهامات بالكذب وخرق قواعد الحجر الصحي، مما أفقده ثقة كثيرين من داخل حزب المحافظين وخارجه، بالإضافة إلى شريحة واسعة من المواطنين. واستمرت تطارده الاتهامات من كل جانب، سواء من بين مؤيديه أو معارضيه، فضلا عن استمرار محاولات سحب الثقة عنه في مجلس العموم.
هذا فضلا عن تعيينه في فبراير الماضي كريس بينشر كمسئول عن الانضباط البرلماني للنواب المحافظين، وهو شخصية تم توجيه الكثير من التهم الأخلاقية له في وقت سابق، إلا أن جونسون أصر على تعيينه متجاهلا نصائح مقربيه، وهو في خضم معركة سياسية تهدد بقائه أساسا في منصبه على إثر أزمة بارتي جيت، مما ضاعف من أعداد الاستقالات داخل الحكومة، اضطر بعدها لتقديم اعتذارات جديدة عن تعيينه لبينشر، وهي خطوة لم تعالج الوضع، بل أججته أكثر، حتى توالت بعدها استقالات أخرى، في تخل واضح عن جونسون وسياساته.
أبرز المرشحين:
منذ تقديم جونسون لاستقالته، تقدم لخلافته ثماني مرشحين، كان أبرزهم ريشي سوناك وزير المالية السابق في حكومة جونسون، وليزا تراس وزيرة الخارجية، وبيني موردنت وزيرة التجارة، وتوم توجيندهات، وعقدت بينهم عدة مناظرات. ويتعين على مجلس المحافظين أن يختار في النهاية مرشحين فقط من بينهم، من خلال جلسات تصويت سرية لخفض عدد المرشحين، ويتم استبعاد من يحصل على أقل الأصوات في كل مرة، وتتكرر هذه العملية حتى يصل عدد المرشحين إلى اثنين فقط في الأخير، بتم اختيار خليفة جونسون من بينهما.
وأسفرت مجموعة المناظرات وجلسات التصويت السرية في مجلس المحافظين المتواصلة منذ أسابيع عن خوض المرشحين ريشي سوناك وليزا تراس المرحلة الأخيرة من المناظرات والتصويت، بعد حصول سوناك على ١٣٧ صوتا، مقابل ١١٣ صوتا لصالح تراس، بعد أن تم إقصاء بيني موردنت بعد حصولها على ١٠٥ صوتا، ليخوضا بعدها الحملات الانتخابية أمام أعين النواب المحافظين، وسيتم الإعلان عن الفائز بمنصب رئاسة الوزراء في الخامس من شهر سبتمبر المقبل، على أن يمارس مهام منصبه رسميا في شهر أكتوبر.
سوناك أم تراس:
حتى الآن لا توجد إجابة مؤكدة حول حظوظ أي من المرشحين لخلافة جونسون؛ حيث تشير بعض استطلاعات الرأي، مثل استطلاع أجرته مؤسسة ” يوجوف ” شمل ٧٢٥ عضوا من حزب المحافظين إلى خسارة سوناك أمام تراس، وهو ما قد يجد مرده في عدة أسباب، منها اهتمام تراس بالسياسة الضريبية، وتعهدها بخفض الضرائب التي أثقلت كاهل المواطن البريطاني خلال الفترة الأخيرة، والتي دوما ما انتقدت على إثرها ريشي سوناك باعتباره كان وزيرا للمالية،وبالتالي فقد تكون تراس هي الأوفر حظا لخلافة جونسون، خاصة بعد دعمها من وزير الدفاع البريطاني بن والاس، والذي يعتبر أحد أكثر أعضاء الحكومة شعبية، وأيضا دعم وزير المالية نديم الزهاوي. أضف إلى ذلك، احتمالية دعم جونسون لها، وهو لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة داخل حزب المحافظين، مما يشير إلى أنه سيكون له دور في اختيار خليفته لرئاسة الوزراء، حيث رجح البعض أنه سيؤيد تراس، لأنها كانت من الموالين لجونسون، ولم تتقدم باستقالتها، على خلاف سوناك.
وبعد المناظرة الأخيرة، رجح استطلاعان جديدان للرأي تم إجراؤهما من قبل مؤسستي ” يوجوف ” و ” أوبنيوم ” احتمالية فوز تراس، حيث اعتقد غالبية الناخبون المحافظون أن أداءها خلال المناظرة كان هو الأفضل.
أما عن ريشي سوناك، فقد بدت حظوظه أقل بالنسبة للبعض، بسبب تورطه في قضية بارتي جيت إلى جانب بوريس جونسون، بعد حضوره لتلك الحفلات، واضطر بعد ذلك إلى دفع الغرامة التي قررتها الشرطة، وبسبب رفضه خفض الضرائب حال توليه لرئاسة الوزراء، تخوفا من موجة تضخم وديون قياسية، وهي أمور كفيلة _ وفقا لمحللين _ بأن تكون سببا في خسارة سوناك أمام تراس. ولكن رغم ذلك، فإن جزئية الضرائب نفسها قد تصب في مصلحة سوناك، وتتسبب على الجانب الآخر في خسارة تتسبب تراس للمنصب، وذلك بسبب تعهدها بإلغائها فور توليها، وهي مسألة تقلق المصوتون، لأنها قد تؤدي إلى الكساد وارتفاع الفوائد، كما ستخلق نوع من الجمود في الاقتصاد البريطاني. وفي المقابل سوناك لا يريد خفضها إلا بعد إيجاد حلول مناسبة بديلة تجنب الاقتصاد تبعات القرار فيما بعد، واعتبره البعض كونه متخصصا في الأمور الاقتصادية الأجدر لقيادة بريطانيا في هذه المرحلة، خاصة وأنه نجح قبل ذلك في إدارة أزمة كورونا، وتعويض العمال الذين تضرروا جراء الأزمة.ولذلك، فإن سوناك مرشح لا يستهان به، كما يتمتع بشعبية كبيرة داخل الحزب.
وبناءا على ذلك، جاءت نتيجة استطلاعات أخرى في صالحه؛ مثل استطلاع للرأي أجرته شركة “جيه إل بارتنرز”، حصل بناءا عليه على ٧٦ ٪ من الأصوات، وفقا لصحيفة “إيفيننج ستاندارد” البريطانية.
ملفات حاسمة:
من الواضح اهتمام سوناك بسياسة اللاجئين، حيث تعهد بفرض حد أقصي لعدد اللاجئين الذين تستقبلهم بريطانيا حال فوزه برئاسة الوزراء، وتأمين الحدود أيضا، وفي هذا الإطار، تعهد بالحد من سلطة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وتعليق أموال المساعدات حال رفضت الدول إعادة طالبي اللجوء ممن رفضت طلباتهم. وعليه، انتقد سياسة جونسون بعدم الوفاء بوعده في استعادة السيطرة على الحدود، كما وصف نظام اللجوء بأنه ” فوضوي “. وأبدت تراس تأييدها في هذا الشأن.
كما يعتبر سوناك من أشد مؤيدي قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. الأمر نفسه بالنسبة لتراس، التي كانت تؤيد قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بعدما اتخذت إلى جانب جونسون كوزيرة للخارجية موقفا متشددا في مفاوضات ما بعد الخروج بشأن قضية إيرلاندا الشمالية.
وعليه، فمن الواضح أن ريشي سوناك وليزا تراس يمتلكان رؤية معادية للاتحاد الأوروبي والهجرة غير الشرعية، كما تجمعهما تحفظات أيضا بخصوص ملف اللاجئين، أضف إلى ذلك عزمهما تطبيق خطط من شأنها تضييق الخناق على الصين. وبالتالي خلافا لموقف كل منهما من السياسة الضريبية، فإنها يملكان برنامجا متشابها بعض الشئ، مما سيصعب مسألة الجزم بالفائز النهائي في هذا السباق، لأن الكفتان تبدو متساوية إلى حد ما حتى الآن، ولحين إشعار آخر.
أما بخصوص الموقف من الأزمة الأوكرانية، فلا يتوقع أن يختلف الموقف كثيرا عن الموقف البريطاني خلال فترة جونسون، وإن كان قد يكون أقل اندفاعا بعض الشئ عن مواقف جونسون، وبالتالي فالموقف البريطاني سيظل في سياق الموقف الأمريكي من الأزمة، والداعم لأوكرانيا، وعلى الجانب الآخر معاديا لروسيا. وقد تكون تصريحات الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي بعد الإعلان عن استقالة جونسون في إطار الضغط المسبق على رئيس الوزراء القادم حتى يأخذ موقفا واضحا في دعم بلاده ضد روسيا، سواء على المستوى السياسي أو العسكري. فقد سبق وأعرب زيلنسكي عن حزنه بعد علمه باستقالة جونسون، قائلا ” تلقينا جميعا هذا النبأ بحزن شديد، لست وحدي بل كل المجتمع الأوكراني يتعاطف كثيرا معكم”، قبل أن يشدد على امتنان الأوكرانيين لدعم جونسون لكييف خلال الحرب التي تشنها روسيا على بلاده منذ شهر فبراير. كما يسعي زيلنسكي حاليا إلى منح بوريس جونسون الجنسية الأوكرانية، وترشيحه إلى رئاسة وزراء أوكرانيا، ردا على دعمه لبلاده.
وفي الأخير، لا يسعنا القول سوى أن نتائج استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرا جاءت نتائجها متأرجحة إلى حد ما، ولم تحسم جميعها الفوز لصالح أي من المرشحين، كما جاءت النتائج متقاربة بعض الشئ، وهو أمر من المتوقع تكراره أيضا في النتائج الرسمية، ولكن كل شئ من الوارد أن يتغير بعد خوض المرشحين لحملاتهم الانتخابية أمام أعين أعضاء حزب المحافظين خلال الفترة المقبلة، باعتبار أن هذه الحملات ستكون العامل الأكثر حسما وتأثيرا في اختيار المحافظين النهائي، الذي سينطلق خلال هذا الأسبوع.