انعكاسات قمة طهران على العملية العسكرية التركية المرتقبة في سوريا

على خلفية التحولات المتوالية فى البيئة الدولية، والتوتر المتصاعد بالقارة الأوروبية بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية، وفى ظل محاولات الرئيس الأمريكى “جو بايدن” خلق تحالف بالشرق الأوسط، بغرض استهداف إيران، ومنع حصولها على السلاح النووى، والإضرار بالمصالح الإسرائيلية- تسعى طهران إلى إحياء العلاقة بين أطراف “أستانا”، مع العمل على منع نشوب الخلافات التى قد تطرأ بين تركيا وسوريا، وبالتالى إيران، وروسيا، حليفا الرئيس السورى “بشار الأسد”، كمخرجات للعملية العسكرية التى ينوى الرئيس التركى “أردوغان” شنها فى الشمال السورى، والتى يزعم أنها ستكون مختلفة عن العمليات التركية السابقة لاستهداف “وحدات حماية الشعب الكردية” (YPG)، الجناح العسكرى لقوات سوريا الديمقراطية (قسد PYD).
ويبدو أن إيران اختارت التوقيت المناسب لبذل جهود الوساطة، وهو ما يمكن قراءته فى زيارة وزير الخارجية الإيرانى “حسين أمير عبد اللهيان” إلى “دمشق” و “أنقرة”، والإعلان عن عزم طهران رعاية المصالحة بين الأطراف، وتحاشى أضرار أى عملية عسكرية جديدة تؤدى لتصعيد جديد.
فى ذلك الإطار، يهدف التحليل التالى إلى توضيح نتائج القمة “الروسية- التركية- الإيرانية” فى طهران على الشمال السورى، وبحث دلالات، وأهداف إيران وراء قمة “أستانا”، بالتزامن مع التحركات الأخيرة فى المنطقة.
محاولات للتهدئة:
أسهمت العملية العسكرية التركية المُحتملة على الشمال السورى فى تعزيز تنسيق “قسد” مع الجيش العربى السورى، والتعاون العسكرى مع “الأسد”، وهو ما سمح بوجود القوات السورية فى مناطق سيطرة الأكراد، مثل “عين عيسى” و “منبج”، إلا أنه لم يتم توفير آليات جديدة حتى الآن للتنسيق الجاد بين الطرفين فيما يخص أهداف “الأسد” لفرض سيطرته على جميع الأراضى السورية.
وقد كان للزيارتين اللتين قام بهما وزير الخارجية الإيرانى “حسين أمير عبد اللهيان” إلى تركيا وسوريا إشارات عديدة إلى تطلعات سورية للتوصل لاتفاق مع “أنقرة”، شريطة تراجع الأخيرة عن الحدود الشمالية لسوريا، وإنهاء وجودها الذى يعتبره الرئيس السورى “بشار الأسد” احتلالا أجنبيا داعما للإرهاب، وقد تكون “دمشق” اختارت إيران بديلا عن الجامعة العربية كوسيط لمطالبة تركيا بالانسحاب من الأراضى السورية، وهو ما يعنى رغبة القيادة السورية فى الحصول على التعهدات التركية بإنهاء وجودها العسكرى، وتسليم الأراضى المحتلة للجيش العربى السورى، لإعلان سيادة دمشق على جميع مناطقها، والمقابل المرضي لتركيا في هذه الحالة، أن يتم ذلك على حساب النفوذ الكردي، بإنهاء التطلعات الانفصالية لقسد، وتقويض جناحها العسكري “وحدات حماية الشعب”.
لكن من ناحية تركيا، فمن غير المتوقع تخليها عن العلاقات القوية، والتنسيق الإستراتيجى مع المعارضة السورية، الذى كان العامل الرئيسى المساهم فى فرض النفوذ التركى فى الشمال السورى، ومواجهة “قسد PYD”، وعلى النقيض من ذلك فإن هذا العرض الإيرانى يُعد فرصة، وبديلًا مهمًا لتركيا، لاسيما أن المصالح التركية باتت تشير لأهمية إعادة الانفتاح مع دمشق، خاصًة أن ذلك يعتبر بابًا ييسر الطريق إلى تطبيع العلاقات مع مصر، وقد يبقى هذا واردًا على الرغم من استعداد تركيا مؤخرًا للدخول فى مواجهة محتملة مع سوريا وحلفائها (روسيا وإيران)، نظرًا للبراجماتية التى يتسم بها سلوك الرئيس التركى “رجب طيب أردوغان”، وقدراته على تحويل مسار الأزمات بمرونة لتحقيق مصالح أنقرة.
مصالح إيرانية:
يشير التوقيت الحالى إلى دلالات عديدة؛ فى مضمونها مواجهة التحديات الغربية فى المنطقة، والتهديد الإسرائيلى للمصالح الإيرانية فى سوريا على الأخص، مع توحيد جميع الأراضى السورية تحت سيطرة الجيش السورى، وعودة الأوضاع كما كانت من قبل بالنسبة للحليف الرئيس “بشار الأسد” قبل أحداث الربيع العربى عام 2011، لذا، فقد ركزت إيران من خلال هذه القمة على تحقيق تقدم فى العديد من الاتجاهات، التى كان من أهمها :
( * ) مقاومة الجبهة التى تسعى واشنطن وتل أبيب لتكوينها ضد إيران: يشير التوقيت الذى تمت به القمة الثلاثية بطهران – بالتزامن مع قمة جدة – إلى رغبة القيادات الإيرانية فى الإشارة إلى كونها دولة غير معزولة عن العالم، فى حضور كل من الرئيس الروسى “فلاديمير بوتين” ونظيره التركى “أردوغان” للقاء الرئيس “إبراهيم رئيسى”، وهى محاولات للظهور فى صورة الدولة القوية، والضغط على “واشنطن” للعودة إلى التفاوض بشأن الملف النووى الإيرانى، مع تجنب تأثير أى تحالفات إقليمية جديدة (ناتو الشرق الأوسط) على الحضور الإيرانى بالمنطقة، خاصًة فى سوريا.
( * ) العمل على زيادة تمكين الرئيس السورى “بشار الأسد: : استطاع الأطراف الاتفاق حول ضرورة التسليم بالحل السياسى لا العسكرى للأزمة السورية من خلال القرار 2254 للأمم المتحدة، وتسهيل عودة اللاجئين إلى سوريا، إضافًة إلى أهمية تقديم المساعدات لسوريا، وإعادة الإعمار للبنية التحتية للدولة، مع ضرورة إجلاء القوات الأجنبية (تركيا والولايات المتحدة) عن الشمال السورى، وهو ما يصب فى مصلحة “الأسد”، وبالتالى حليفاه (روسيا وإيران).
( * ) مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا: فقد حرص الأطراف على الإشارة إلى رفض الهجمات الإسرائيلية على الأراضى السورية، وأن ذلك الأمر انتهاك صريح لمبادئ وقواعد القانون الدولى، وتهديد للسيادة السورية، والأمن الإقليمى، والدولى، بما له من تداعيات خطيرة على استقرار المنطقة، وهى عمليات قصف تستهدف الميليشيات الموالية لكل من إيران وحزب الله اللبنانى في سوريا.
( * ) منع نشوب مواجهة مع تركيا فى سوريا: تهدد العملية العسكرية التركية المحتملة فى الشمال السورى الاستقرار بين الأطراف، (تركيا من جهة، وسوريا وحليفتيها روسيا وإيران من جهة أخرى)، وهو ما تهدف الوساطة الإيرانية إلى تجنب وقوعه في منطقة “إدلب”.
( * ) محاولة ترتيب الأوضاع فى سوريا بما يضمن المصالح الإيرانية: من مصلحة طهران العمل على تكريس التعاون بين سوريا وتركيا، وإعادة ضبط الوضع فى دمشق، وقد أكد ذلك إشارة الرئيس الإيرانى “إبراهيم رئيسى” خلال القمة إلى مخاطر الوجود الأمريكى، كونه غير شرعى، أو قانونى، ويؤدى إلى زيادة تعقد الملف السورى، إلى جانب دعوته لإنهاء العدوان الإسرائيلى على سوريا، واحتلال إسرائيل للجولان السورية.
العملية التركية:
يدرك الرئيس التركى “أردوغان” أن المبادرة الإيرانية فى هذا التوقيت تهدف إلى ضبط الأوضاع لمصالحها، والجانب الروسى، وهو الطرف الثالث للمبادرة الإيرانية، لا يرى من منظوره أنه يجب دعم أنقرة، أو منحها الضوء الأخضر لعمليتها العسكرية بسوريا، وسط الظروف، والمعطيات الحالية، ولم يتضمن البيان الختامى لقمة طهران أى موافقة، ولو ضمنيًا، على تنفيذ عملية عسكرية بالشمال السورى، فعلى النقيض من النقاط العديدة التى تم التوصل لاتفاق حولها بين جميع الأطراف؛ يبدو أنه لاتزال العملية العسكرية التركية تشكل نقطة خلاف محورية.
وتأسيسًا على ما سبق، فإنه على الرغم من التوافق بين أطراف “أستانا” حول ضرورة مواجهة الإرهاب، وأى محاولات انفصالية فى سوريا، يبقى الخلاف قائمًا حول تصنيف كل طرف للفاعلين فى سوريا، فبينما ترى تركيا أن “قسد” ( PYD)، وجناحها العسكرى “وحدات حماية الشعب الكردية” ( YPG) مجموعات إرهابية يجب القضاء عليها، لا ترى إيران، أو روسيا ذلك، وفى المقابل “طهران” و “موسكو” تصنفان الفصائل السورية المسلحة مجموعات إرهابية، وهو ما تختلف معهما عليه “أنقرة” بتعاونها مع المعارضة المسلحة فى الشمال السورى منذ تدخلها فى سوريا بعد الحرب الأهلية.
وفى النهاية، لا يبدو أن هناك تفاهما تجاه الوضع فى الشمال السورى بين مواقف الأطراف الثلاثة (تركيا، وروسيا، وإيران)، وهو ما يتضح فى إشارة وزير الخارجية الإيرانى “حسين أمير عبد اللهيان”، خلال المؤتمر الصحفى مع نظيره السورى “فيصل المقداد”، إلى قلق إيرانى من العملية العسكرية المحتملة التى تسعى إليها “أنقرة”، وتصريح “المقداد” المؤكد لرفض القيادة السورية الهجوم التركى المحتمل، وعمليات تتريك الشمال السورى.