حرمان “موسكو”: انعكاسات قرار حظر استيراد الذهب الروسي

في السادس والعشرين من يونيو الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال قمة الدول السبع الصناعية، المنعقدة بجنوب ألمانيا- أن الولايات المتحدة، وباقي دول المجموعة تعتزم إعلان حظر على واردات الذهب الروسي.

وفي ظل إصرار الدول الغربية على معاقبة روسيا، وإضرار تجارتها في هذا الشأن، التي تمثل ثاني أكبر صادراتها، وعدم وجود رد مباشر وواضح من الأخيرة على هذا القرار- يبقى السؤال، وهو: ما هي تداعيات حظر استيراد الذهب من روسيا على دول العالم، وما هي ملامح طريقة تطبيق الحظر المحتمل، وما هي تأثيرات القرار المتوقعة على روسيا؟.

مزيد من التصعيد:

لم تتوقف مراحل التصعيد بين الغرب وروسيا بسبب أوكرانيا عند غلق المجال الجوى الأوروبي أمام الطيران المدني الروسي، والذي كان أخره واقعة منع طيران الدبلوماسيين الروس التحليق في أجواء تلك الدول (منع مرور طائرة لافروف “وزير الخارجية الروسي” بأجواء ثلاثة دول أوروبية إلى صربيا قرب منتصف يونيو الماضي”-، بل أعلنت أربعة دول من السبع الصناعية الكبرى وهم (بريطانيا، والولايات المتحدة، وكندا، واليابان) فرض حظر على الذهب الروسي، في إطار مجموعة عقوبات جديدة ضد موسكو، باعتبار ذلك سيؤدى إلى حرمان روسيا من مليارات الدولارات.

عملية صناعة قرار حظر استيراد الذهب الروسي لم تكن وليدة يوم إعلانها، بل سبق القرار تمهيد أمريكي لقياس رد الفعل الروسي، وأيضا رد فعل الدول المعادية لروسيا في حربها على أوكرانيا، حيث نشرت وكالة الأنباء “رويترز” في توقيت سابق على الـ 26 من يونيو المنتهي- وهو توقيت إعلان قرار حظر الاستيراد، أن “الرئيس الأمريكي (بايدن) سيتفق مع بقية رؤساء الدول الصناعية السبع على حظر استيراد الذهب الروسي. وعليه يمكن القول إن “الخطوة التي اتخذتها الحكومة البريطانية في هذا الشأن، كانت بعد مشاورات جادة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ودولة كندا، ودولة اليابان”، وبالتالي تعبر جماعية القرار عن أنه سوف ينفذ في القريب العاجل بهدف إرباك روسيا، خاصة وأنه وفقا للمراقبين-أي قرار الحظر، سيتم تطبيقه على كل الذهب الجديد المستخرج من روسيا، حيث قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، إن “العقوبات الموجهة ضد الذهب الروسي ستطال بشكل مباشر أثرياء السلطة الروس وما أسماه بـ ”قلب آلة بوتن الحربية” وخطوة في تجفيف منابع تمويل النظام الروسي.

وعلى ما سبق، وفي ظل صعوبة توقيت قرار الحظر، والإصرار الغربي بما فيه مجموعة الدول السبع على الاضرار بالاقتصاد الروسي، يمكن القول إن تأخر الرد المباشر من قبل الحكومة الروسية على حظر استيراد الذهب مثلما كانت تتعامل مع خطوات التصعيد الغربية السابقة ضدها، يؤكد تحوطها لتأثير التداعيات المحتملة لهذا المسار الغربي ضدها، خاصة أن حجم إنتاجها من الذهب، وفقاً لبيانات مجلس الذهب العالمي، يجعلها تتموضع تقريبا على قمة هرم المنتجين، حيث تصنف روسيا، وفقاً لهذا المجلس ثاني أكبر منتج للذهب على مستوى العالم بعد الصين, كما قالت وزارة المالية الروسية، إن ” إنتاج روسيا في العام السابق- أي عام 2021، يعادل 346 طن، بقيمة 20 مليار دولار، بما يعني أن روسيا تنتج10% من حجم الذهب المستخرج من العالم كله. وهنا تجدر الإشارة إلى أن روسيا صدرت ذهباً في العام السابق بحوالي 516 مليار دولار.

آليات جادة:

الواقع يشير إلى أن أكبر مركزين لتجارة الذهب في العالم، يتمركزان في لندن ونيويورك, وبالتالي قد يؤدى قرار حظر استيراد الذهب الروسي- إلى قيام مجموعة الدول السبع الصناعية خلال الفترة القريبة، بالإعلان عن إتمام الفصل الكامل بين مراكز التجارة العالمية للذهب وروسيا.

ما سبق، يشير إلى احتمالات حدوث تراجع محسوب بمعدل إنتاج روسيا من الذهب- أي قد تتأثر هذه الصناعة، وقد يترتب عليها مزيد من البطالة التي تدركها الحكومة الروسية، خاصة من العاملين في هذا الشأن، سواء في مراحل إنتاج الذهب من باطن الأرض أو العاملة المرتبطة بعملية مصافي التكرير أو صناعته وتحويله إلى سبائك. ففي العام الماضي، بلغت قيمة الذهب الروسي، المُصدر إلى لندن ما يقرب من 15 مليار دولار، وهذا يمثل 25% من إجمالي واردات لندن من الذهب, وبالتالي من المحتمل أن يؤدى قرار حظر استيراد الذهب الروسي، ومنع دخول هذا المنتج لمراكز تجارة الذهب العالمية إلى خسارة روسيا مليارات الدولارات.

تأثير محتمل:

تأسيسا على ما سبق، ووفقاً للمراقبين يمكن القول، إنه من المحتمل أن لا يصل حجم تأثير قرار  حظر استيراد الذهب الروسي من قبل مجموعة الدول السبع الصناعية على الاقتصاد الروسي إلى الدرجة التي تتوقعها أو تتمناها الدول المُتخذة للقرار، خاصة وأن عملية حظر استيراد الذهب الروسي، لم تكن الأولى منذ اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية، بل أنه في مارس الماضي، منع سوق تداول سبائك الذهب في لندن، التعامل مع مصافي الذهب في روسيا، ولم يستقبل منها أي شحنات إضافية، ولكن ما أنقذ الموقف في هذا التوقيت، والذي ربما يتكرر أو يتم “كربنته” في التعامل مع قرار الحظر الجماعي للذهب الروسي في الوقت الراهن، هو قيام بنكها المركزي، بالإعلان عن شراءه كمية الذهب التي تم إنتاجها، من ثم تم اتخاذ قراراً في ذلك الوقت بإلغاء ضريبة القيمة المضافة على الذهب داخل روسيا، الذي على أثره حدث ارتفاع كبير في حجم الطلب المحلي للذهب داخل روسيا.

وبالتالي، يمكن القول إن روسيا تستطيع أن تلتف على هذه القرارات، وتقوم ببيع حجم إنتاجها من الذهب المحلي للبنوك المركزية في الصين والهند، بل يمكنها أيضا أن تقوم بعملية إيداع لأجزاء من الذهب في هذه البنوك المركزية، وتقوم في المقابل بالحصول على قروض بضمانها. هذا بالإضافة إلى أن روسيا يمكنها تصدير ذهبها لأسواق وسيطة لشرعنة وضعه القانوني مثل مصافي الذهب السويسرية، حيث يتم إرسال الذهب الروسي الخام إلى مصافي الذهب السويسرية، ويتم تكريره، وبعد ذلك يتم خروجه في شكل سبائك، ويُختم بخاتم مصافي الذهب السويسرية، وبذلك يتم إعادة تدويره حتى بيعه لمجموعة الدول الصناعية السبع التي اتخذت قرار حظر استيراده.

احتمالات واردة: 

من المرجح أن يتأثر السوق العالمي للذهب جراء قرار حظر استيراد الذهب الروسي المُتخذ من قبل مجموع الدول السبع الصناعية، لكن مستوى تأثيره على الاقتصاد الروسي قد يكون الأقل مقارنة بالعقوبات السابقة التي فرضت على روسيا كحظر الغاز الروسي، وهذا يرجع إلى الأسباب التالية:

(*) هناك فرق جوهري بين السلعتين- أي الذهب والغاز، من ناحية أهميتهم وتأثيرهم في حياة الأفراد اليومية وعلى اقتصادات الدول ككل، فالثانية تعتبر من السلع الضرورية التي لا يمكن أن تستغني عنها الشعوب، والتي تصلب الحكومات والأنطمة الحاكمة بقرارات منعها- كما حاولت أن تفعل بعض الدول الأوروبية، في محاولة التصعيد ضد روسيا في حربها على أوكرانيا- يؤدى إلى الإضرار باستقرار الشعوب، وبالتالي تهديد الأنظمة الحاكمة، إذا لم توفر البديل المناسب والعاجل. وما يؤكد صعوبة المقارنة بين تنفيذ قرارات حظر استيراد الذهب والغاز، هو فشل محاولات الاتحاد الأوروبي منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا،  في حظر النفط الروسي، والتي لم تدخل حيز التنفيذ بالكامل حتى تاريخه، في ظل رفض بعض الدول للقرار مثل المجر، وكذلك ألمانيا التي لم تجد بديلا مناسباً.

(*) كما ذكرنا من قبل, يعتبر قرار حظر الذهب الروسي ليس بجديد، فهو ربما تكرار لسيناريو مارس 2022، الذي قرر فيه مركز تجارة الذهب في لندن منع التعامل مع الذهب المستخرج من المصافي الروسية, كما قررت الولايات المتحدة الأمريكية، عدم التعامل مع البنك المركزي الروسي في بيع وشراء الذهب.

هذا بالإضافة، إلى أن حجم الطلب عالمياً على الذهب لا يواجه مشاكل مزمنة, بالإضافة إلى أن حجم إنتاح روسيا من الذهب، كما سبقت الإشارة يمثل 10% تقريباً من حجم الإنتاج العالمي، ويحتفظ البنك المركزي الروسي بجزءاً منه، بالتالي من المرجح ألا يكون هناك تأثيراً كبيراً للقرار المذكور سابقاً على العرض والطلب في السوق العالمي، إلا إذا حدث خلل مفاجئ خلال الفترة القادمة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن قرار حظر استيراد الذهب الروسي لم يكن موفقاً في هذا التوقيت، خاصة وأن هناك اهتمام من قبل كبار المستثمرين، يتركز في هذه الفترة في أمور أكثر أهمية، مثل سياسة الفيدرالي الأمريكي، ومسارات رفعه لأسعار الفائدة لمستويات أعلي خلال الفترة القادمة للسيطرة على التضخم، هذا بالإضافة إلى مخاوف المستثمرين والاقتصاديين من دخول الاقتصاد الأمريكي في مرحلة الركود التضخمي، والتي تعني حدوث ارتفاعاً في الأسعار بالتزامن مع وجود ركود في الاقتصاد وانخفاض في معدل النمو الذي يؤدي إلى ارتفاع نسبة البطالة.

 في النهاية، يمكن القول إن قرار مجموعة الدول السبع الصناعية بحظر استيراد الذهب الروسي يمثل مرحلة جديدة من مراحل التصعيد الغربي ضد روسيا، لكنها قد تكون الأقل تأثيرا بالمقارنة بما سبقها، خاصة وأن هناك مداخل روسية للتقليل من التأثيرات السلبية للقرار، فربما يقتصر تأثير القرار على حرمان مؤقت يمكن تفاديه بعد حسابات مدروسة من موسكو.

د.حنان بركات

د. حنان بركات: خبيرة في شؤون الدراسات الاقتصادية، وهي تعمل رئيساً لقسم التمويل و الاستثمار بالجامعة المصرية الصينية، حاصلة على درجة الدكتوراه في التمويل والاستثمار من جامعة عين شمس، الخبيرة مهتمة بالقضايا الاقتصادية و الاستثمارية في العالم, نشرت العديد من الأبحاث في مجال التمويل، كما عملت في بعض مراكز الفكر والدراسات العربية، وكتبت في العديد من المجلات المحكمة المتخصصة في الشئون الاقتصادية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى