فرص داعمة: مؤشرات نجاح الحوار الوطني المصري

في ظل التفاعل الحالي مع دعوة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي لحوار وطني مصري جاد وصادق، يرتب أولويات الدولة المصرية، ويضع أجندة مستقبل، تحمل رؤى متفق عليها للتحديات والفرص، فإن هناك مسئولية على الجميع، للتعامل مع هذه الدعوة ودعمها وتوفير الشروط المطلوبة لنجاحها. لذلك يقع على عاتق مراكز الفكر المصرية مسئولية أساسية، تتعلق بتنوير المجتمع بأهمية هذه الدعوة وضرورة التعامل معها بإيجابية، كما أن عليها دوراً ينبغي أن تقوم به في تبصير صناع القرار وأصحاب المصلحة، من خلال وضع بعض المحددات ورسم الخطوط العامة، التي تساعد على إنجاح هذا الحوار، وتحقيق أهدافه المرجوة. وقد يكون من المفيد في هذا التوقيت دراسة تجارب الحوار الوطني في الدول الأخرى، واستعراض عوامل نجاح بعضها وفشل البعض الأخر، مع التأكيد على أن لكل حالة خصوصية وسياقات مختلفة.

من هنا نبدأ بالقول، أن دعوة الحوار الوطني التي أطلقها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، أثناء حفل إفطار الأسرة المصرية – تقليد سنوي سنته مؤسسة الرئاسة منذ سنوات، تجتمع عليه رموز من المجتمع والنخبة المصرية، بمختلف أطيافهم السياسية والفكرية-  تستحوذ بصورة كبيرة على اهتمام مختلف القوى والمكونات السياسية والمدنية المصرية، وكذلك الشارع المصري المترقب لرؤية نتائج هذا الحوار، وسط تطلعات كبيرة أن يكون بداية لمرحلة مختلفة للدولة المصرية، تضع خريطة طريق، وتحمل رؤية مستقبلية، متفق عليها من الجميع أو متوافق عليها على الأقل من الأغلبية، التي ستشارك في هذا الحوار. لذلك لا بديل عن النجاح. ليس هذا وحسب ، بل قد تكون أمامنا فرصة لتقديم تجربة ونموذج مصري جديد، في كيفية تحقيق معايير الحكم الرشيد، كمتطلب من متطلبات الانتقال الديمقراطي والتنموي المنشود، في البلدان التي شهدت أزمات عاصفة، خاصة وأن هناك دول في الإقليم العربي والشرق أوسطي، لا تزال تعاني داخلياً من انسداد الأفق السياسي، وتزايد مؤشرات العنف، وتراجع مستويات التنمية، وضغوط معيشية، يُخشى معها انفراط عقد بعض هذه الدول، لذلك فإن دعوة الحوار الوطني في مصر فرصة سانحة من المنظور السياسي لتأسيس عقد اجتماعي جديد، يلاءم المرحلة الحالية ويتعامل مع التحديات المستقبلية.

في هذا الإطار، ومن واقع دراسة بعض تجارب الحوار الوطني في بعض الدول، نستطيع أن نصل لعدد من الملاحظات المنهجية الأولية، والتي قد  تساعدنا على فهم سياقات الحالة المصرية، وتُرجح بصورة كبيرة نجاح التجربة ، وأبرزها ما يلي:  

(*) دلالة التوقيت: أن الدولة المصرية قد تجاوزت وضع الأزمة منذ سنوات، بل أنها تمكنت خلال السنوات الأخيرة من تحقيق معدلات تنمية واستقرار، شهد لها العديد من المؤسسات والهيئات الدولية الموثوقة، لذلك فدلالة التوقيت الراهن لإطلاق هذا الحوار، تختلف عن دلالة توقيتات إطلاق الحوار الوطني في بعض التجارب، والتي ارتبطت بشكل فعلي بوضع أزمة داخلية وشبه انسداد في المجال السياسي والمجتمعي، بل أنها جاءت في بلدان أخرى ضمن حلول إيقاف العنف والصراع الأهلي. لذلك فإن الحوار الوطني المصري على أرضية مُستقرة سياسياً واقتصادياً وأمنياً ومجتمعياً ستكون من أهم العوامل الداعمة لنجاحه.

(*) حاكمية السياق المحلي: في بعض التجارب الإقليمية والدولية التي شهدت تجارب حوار وطني، لم تكن هذه التجارب محكومة بسياقات محلية فقط، بل أنها جاءت أحياناً بتدخلات خارجية، ترسم وتحدد أجندة الحوار والمشاركين فيه، بل تضع كذلك سقف أهدافه ومحاذيره، لذلك لم يكتب لبعض هذه التجارب النجاح. بينما في الحالة المصرية فإن السياق المحلي هو الحاكم للحوار الوطني الذي أطلقه السيد الرئيس، ضمن رؤية ثاقبة بأن مصر تنتقل لعهد جديد، يحتاج مزيد من التوافق، وتضييق مساحات الاختلاف، ومساندة من الجميع لجهود التنمية والبناء السياسي والاقتصادي المرجو الوصول إليه في الجمهورية الجديدة. لذلك اعتقد بعدم دقة الربط بين دعوة الحوار الوطني المصري وأي سياقات دولية، قد تكون ضاغطة على الدولة المصرية، كما هي ضاغطة على دول أخرى كثيرة، مثل الأزمة الروسية الأوكرانية مثلاً، كما أن محاولة البعض تصوير هذه الدعوة للحوار على أنها استجابة لسياقات إقليمية مُستجدة، أيضاً تفتقد للدقة . فهذا حوار وطني مصري خالص، بدوافع وطنية، وبسياق محلي بالكامل، بلا ارتباطات أو ضغوط ، وهذا ما سُيرجح ويدعم فرص نجاحه.

(*) مؤشرات الاستجابة الأولية: لقد كانت مقاطعة دعوات الحوار الوطني في بعض التجارب الدولية والإقليمية وعزوف بعض القوى السياسية عن المشاركة فيه أو الاعتراف بمخرجاته من أهم أسباب إفشال هذه التجارب مبكراً، وجعل نتائجها غير قابلة للتطبيق بشكل كامل. بينما في الحالة المصرية الراهنة، ومن خلال قراءة ردود الفعل على دعوة السيد الرئيس للحوار الوطني، منذ إطلاقها في الأسبوع الخير من شهر رمضان الماضي وحتى الآن، نجد ترحيباً كبيراً من مختلف القوى والمكونات السياسية والمدنية وكذا مراكز الفكر بالدولة والنخبة السياسية والإعلامية، وهناك تفاعل إيجابي على مستوى الشارع مع هذه الدعوة، يمكن لمسه من خلال حديث الناس، على مختلف مستوياتهم، فحتى الآن لم تعلن أي جهة أو مؤسسة أو حزب رفضها أو تحفظها على هذه الدعوة، كما لم نرصد وضع شروط للمشاركة من أي من القوى المجتمعية والمدنية الموجودة داخل مصر. فقد أصدرت كثير من هذه القوى بيانات ترحيب ودعم، من بينها قوى كانت في موقع المعارضة خلال المرحلة الماضية، منها : الحركة المدنية المصرية، والتي تضم أحزاب الكرامة والتحالف الشعبي الاشتراكي والمحافظين والدستور والوفاق القومي والحزب الاشتراكي المصري وحزب العيش والحرية (تحت التأسيس)، إضافة إلى عدد من الشخصيات العامة، كما كان لافتاً إعلان بعض القوى المحسوبة على تيار الإسلام السياسي مثل حزب النور والجماعة الإسلامية ترحيبها بالمشاركة في الحوار دون شروط.

(*) آلية الحوار وحيادية التنظيم: لقد كان افتقاد الحوار الوطني لإطار مؤسسي يرعاه وينظمه، يضمن الشفافية والحياد، بين مختلف القوى المشاركة، من ضمن عوامل إفشال تجارب الحوار في بعض الدول، حيث تحول الحوار الوطني في بعض الدول لما يشبه ” جلسات الفضفضة السياسية” دون معنى ودون تنظيم مؤسسي مهني محترف، لدية القدرة على تجميع الأفكار المطروحة من مختلف المشاركين، وإعادة بلورتها بشكل يضمن التوازن بين مصالح كافة المشاركين في الحوار.  لذلك فإن إسناد تنظيم الحوار الوطني المصري للأكاديمية الوطنية للتدريب وهي جهة بحثية موثوقة، وبها كفاءات مختلفة، هو من ضمن عوامل النجاح المبكر لهذا الحوار، خاصة مع إعلان المسئولين عن الأكاديمية انفتاحهم وترحيبهم بأي مساعدة تقدم من أي من الجهات البحثية الأخرى بالدولة، خاصة من مراكز الدراسات. وفي هذا رمزية كبيرة ينبغي عدم إغفالها، وهي الاعتراف بأهمية دور مراكز الدراسات والمؤسسات البحثية في الجمهورية الجديدة.

(*) فكرة الضمانات: عندما تلجأ بعض الدول لأجراء حوار وطني، فإن فكرة الضمانات الخاصة بتنفيذ مخرجات الحوار عادة ما تسيطر على ذهنية المشاركين في الحوار، لذلك وجدنا من خلال استعراض بعض التجارب المماثلة في الإقليم حضور واضح لفكرة الضمانات والشروط المسبقة وغيرها، وتفسير ذلك راجع بلا شك لغياب أجواء الثقة بين الفرقاء السياسيين. وربما كان هذا المحدد من محددات إضعاف هذه التجارب وعدم اكتمال بعضها. بينما في الحالة المصرية لم نلحظ بروز هذه الفكرة لدى أي من الأطراف السياسية التي أعلنت ترحيبها ومشاركتها في الحوار،  وتفسير ذلك راجع بلا شك للثقة في جدية الدعوة التي أطلقها السيد الرئيس، وبأن شخصية الرئيس السيسي ومواقفه المختلفة منذ 2013 وحتى الآن تجعل الجميع يشارك بإطمنان، دون تردد، عن ثقة بأن مخرجات الحوار سيتم تنفيذها، وفق الأولويات والغايات الوطنية ، وطالما أنها محل توافق سياسي ومجتمعي.

ختاماً، نؤكد أن سياقات الحالة المصرية للحوار الوطني المرتقب ، ونجملها في كلمات محددة: سياق محلي مستقر، بعيد عن أي ضغوط خارجية، وسط توافر أجواء من الثقة في القيادة الراعية للحوار، مع تنظيم مؤسسي مهني محترف لإدارة الحوار، تبشر بنجاح التجربة، وبرؤية نتائجها محل تطبيق خلال الفترة المقبلة. مع ذلك نؤكد أن نجاح الحوار هو مسئولية الجميع، وهو لحظة اختبار جديدة لقوة الدولة المصرية، التي اعتادت  تجاوز أزماتها بسواعد أبنائها، والرهان على العقلية المصرية الوطنية الجامعة،  التي تشكلت عبر ألاف السنيين، ومدى إحساسها واستجابتها للتحديات في أوقات الشدة.

د.أكرم حسام

خبير في الشؤون الخليجية، دكتوراه علوم سياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة ٢٠١٣، عمل في عدة مراكز بحثية داخل مصر أخرها المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، وعمل خبير في الأمن الإقليمي بالعديد من مراكز الدراسات بدول الخليج. شارك بأوراق بحثية في بعض المؤتمرات الدولية، بدعوة من مركز نيسا بالولايات المتحدة الأمريكية بواشنطن (2017-2018)، ومعهد العلاقات الدولية التابع لوزارة الخارجية الإيطالية بروما (2019-2020).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى