انعكاسات الدعوة للحوار الوطني

محسن الزيني
منذ أن أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي دعوته للحوار الوطني قبل حوالي شهر من الآن، بالتحديد في السادس والعشرون من أبريل الماضي، ومصر كلها تعيش أجواءه، حيث ألقت دعوة الرئيس حجراً ضخما في المياه الراكدة داخل كل الأحزاب والتيارات السياسية ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، بل وفى الشارع المصري بشكل عام.
وبدأ الجميع يتحركون ويتناقشون، بعضهم اتفق والبعض الآخر اختلف، ولكن من الملاحظ أنهم جميعا ارتكزوا على أرضية وطنية واحدة. فالمشهد خلال الأسابيع الماضية كان موحياً بالتفاؤل والإصرار على المشاركة وإنجاح الحوار. وجدنا جلسات إعداد للحوار تنتشر في كل الأحزاب السياسية وحوارات صحفية مع كل رموز وقيادات العمل السياسي وبرامج فضائية تستضيف العديد من الضيوف من ممثلي الأحزاب والتيارات السياسية.
من الواضح أن الدعوة الرئاسية للحوار الوطني قد أحرزت هدفا مبكرا ووضعت قدما في أول طريق النجاح.
قضايا ومسارات:
لم يكن من المتوقع بين أوساط السياسيين والمفكرين أن تبدأ الدولة المصرية حوارا وطنيا شاملا وموسعا في هذا التوقيت، فنحن إلى وقت قريب كان القول الشائع أن مصر في حالة طوارئ، والآن نقول إن مصر في حالة حوار.
وعليه، فإن تحديد القضايا والموضوعات ذات الأولوية صار حتميا وضروريا. وعلى رأس هذه القضايا تأتي قضية تحقيق التنمية المستدامة، ويأتي بعدها في الأهمية الإصلاح السياسي والتشريعي الشامل.
والضلع الثالث في مثلث القضايا ذات الأولوية – وهو المسار الأصعب والأكثر تشعباً- هو بناء وتنمية الإنسان المصري.
في تصوري، فإن هذه المسارات الثلاث تشكل في مجموعها الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة. ولا بديل أمامنا سوى المضي قدما في هذه المسارات بصورة متوازية لأنه لا وجود لديمقراطية حقيقية بدون دولة قوية أو تنمية وهذا ما تعمل عليه الدولة المصرية في الوقت الراهن.
يجب على المشاركين بجلسات الحوار الوطني القادم التوافق أولا على الخطوط العريضة لتحقيق التقدم في هذه المسارات الثلاث، ثم العمل على تكوين لجان متخصصة تتكون من الأعضاء المشاركين بالحوار والاستعانة بالمتخصصين والخبراء الأكاديميين لمناقشة جميع الاقتراحات والتوصيات باستفاضة وحرية تامة لكل مسار على حدة، وفى النهاية صياغة المخرجات النهائية التي يتم تقديمها لمؤسسات الدولة المعنية (الرئاسة – مجلس الوزراء – مجلسي النواب والشيوخ).
انعكاسات إقليمية:
يرى العديد من الباحثين في المنطقة العربية، وهي واحدة من أهم دوائر الأمن القومي المصري أن الدعوة إلى الحوار الوطني في مصر سيكون له تأثيرات إقليمية ملموسة وواسعة حيث أنه من المتوقع أن تنتقل هذه الدعوة إلى عدد من البلدان العربية من أجل الوصول إلى حالة من التوافق الوطني لإعادة بناء وتماسك الدولة الوطنية، كما أن استقرار وتماسك الجبهة الداخلية المصرية ينعكس إيجابا على قدرتها على التأثير في محيطها الإقليمي ومواجهة التهديدات التي تحيق بأمتنا العربية ومن ثم تحقيق المزيد من الاستقرار الإقليمي.
كما أن الحوار الوطني يشكل فرصة واعدة لتفعيل وزيادة دور الدولة المصرية عربيا وإقليميا في ظل التغير السريع والمتنامي المتوقع في الأوضاع الدولية (سياسيا واقتصاديا) نتيجة تداعيات ما بعد الحرب الأوكرانية وقبلها تداعيات وباء كورونا مما يتطلب رؤية جديدة لمواجهة هذه التحديات.
مما سبق يمكن القول أنه.. ليس من الضروري أن يحقق الحوار الوطني الدرجة الكاملة من التوافق، وليس مطلوبا من المشاركين أن يتفقوا على كل الآراء والمقترحات والتوصيات، لكن الضروري والمطلوب أن نقدر على إدارة خلافاتنا بصورة حضارية وموضوعية. وأن نتجنب أخطاء الماضي وننحى خلافاتنا ومطالبنا الفئوية جانباً، وأن ننحاز وبقوة الى بناء (الجمهورية الجديدة) على أساس احترام الدستور والقانون.
كما أنه من الضروري أن نضع جميعا في الحسبان أن الحوار الوطني ينبغي أن يمتد ويستمر لمدة زمنية لا تقل عن ثلاثة شهور –ويمكن أن تزيد- لكي نستطيع أن نقيس ونشعر بنتائج حقيقية لمخرجاته على أرض الواقع، فالحوار لن يكون المفتاح السحري لحل جميع المشكلات ومواجهة كل التحديات. هي فقط خطوة للأمام يجب أن يتبعها خطوات أخرى كثيرة.