اغتيالات متزايدة: لماذا يفشل نظام الملالي في حماية قياداته؟

يرى بعض المحللين أن الاغتيالات المتزايدة لأبرز رجال نظام الملالي الحاكم تحت قيادة المرشد الأعلى الإيراني “آية الله علي خامنئي”- تكشف عن ضعف البينة الأمنية للجمهورية الإيرانية التي يدعي مسئوليها أن لديهم قوة أمنية ودافعية قوية.
وعليه، قد يؤدى هذا التراجع المتزايد في منظومة الأمن الإيرانية إلى احتمالات نجاح المعارضين للنظام سواء بالداخل أو الخارج في اختراق النظام الأمني لهذا البلد الذي يعاني من تدهور لأوضاعه في المناحي كافة (السياسة، الاقتصادية، العسكرية)، تحت قيادة نظام لا يعرف سوى قمع شعبه، وإمداد الجماعات الإرهابية الموالية له في عدد من دول المنطقة بجميع وسائل الدعم لتحقيق مخطط “تصدير الثورة الإيرانية”.
لقد كشفت واقعة اغتيال العقيد “حسن صياد خدائي” القيادي في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وأهم رجال النظام العسكريين أمام منزله في شارع “مجاهدين إسلام” بالعاصمة الإيرانية طهران، على يد مجهولين كانا يستقلان دراجة نارية، عصر يوم 22 مايو الجاري- عن الضعف الأمني الشديد الذي يعاني منه النظام الإيراني، خاصة أن هذه ليست المرة الأولى التي يغتال فيها مسئول إيراني بارز داخل عقر دار النظام الإيراني، وبالعاصمة ذاتها طهران.
اغتيالات متزايدة:
ما سبق ذكره، يعيد إلى الأذهان، عدد من وقائع الاغتيال التي تعرض لها كبار مسئولي هذا النظام، كواقعة “قاسم سليماني” قائد فيلق القدس، الذي اغتيل في غارة أمريكية بالعاصمة العراقية بغداد يناير 2020، وبعدها بعدة أشهر، قتل بالرصاص رئيس منظمة الأبحاث والتطوير في وزارة الدفاع العالم النووي “محسن فخري زادة” في نوفمبر 2020، وذلك أثناء قيادته سيارته في مدينة أبسارد شرق طهران، هذا بجانب محاولة الاغتيال الأخيرة للجنرال “حسين آلماسي” قائد القوات الخاصة بالحرس الثوري الإيراني في 23 أبريل الماضي بمدينة زاهدان جنوب شرق إيران، بواسطة هجوم مسلح على موكبه، نجم عنه مقتل حارسه الشخصي “محمود آبسالان” نجل الجنرال “برويز آبسالان” نائب قائد فيلق “سلمان الفارسي” بالحرس الثوري.
ولطالما يوجه النظام الإيراني الاتهامات إلى “قوى الاستكبار العالمي”، في إشارةٍ إلى إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، بالمسؤولية عن اغتيال أبرز المسئولين بالجمهورية الإيرانية، ويغض الطرف عن قدرة الجماعات المسلحة التابعة لقوي المعارضة الإيرانية أحيانًا عن تنفيذ مثل هذه العمليات، وهو ما يطرح تساؤلًا، لماذا يفشل نظام الملالي في حماية قيادته بالداخل والخارج؟، وهذا ما سنحاول الوصول لإجابته من خلال عرض الأسباب التالية:
(*) هشاشة البنية الأمنية الإيرانية: تدل حوادث الاغتيالات سابقة الذكر على ضعف البنية الأمنية للنظام الإيراني بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وهو ما أدى لتزايد عمليات الاختراق الأمني والاستخباراتي لهذا النظام من قبل القوي والبلدان المعارضة له، وتكشف عن فشل قيادات أجهزة الاستخبارات الإيرانية في منع وقوع أية اختراقات لنظام الأمن في البلاد، خاصة أن تلك الحوادث تمت من خلال استخدام عملاء بالداخل الإيراني، وليس بواسطة هجوم سيبراني. ويضاف لما سبق، هو فشل جهاز الاستخبارات الإيراني “عقاب”، الذي تراجع عن الدور الذي أسس من أجله في 2005، فعلى الرغم تدشينه لرصد الخروقات الأمنية التي تكشف عن هشاشة النظام الاستخباراتي، إلا أنه لم يستطع حماية العلماء والعسكريين الإيرانيين الذين تم اغتيالهم.
بيد أن الأمر ليس متعلق فقط باغتيال القيادات بل امتد إلى وقوع انفجارات طالت منشآت نووية وعسكرية كبيرة كـ”منشآة نطنز لتخصيب اليورانيوم” التي شهدت انفجارًا مرتين في يوليو 2020 وأبريل 2021، نجم عنها أضرار هائلة، وأيضًا حوادث شهدها المجال الجوي الإيراني، كان آخرها واقعة مصرع الطيار الإيراني “قاسم زماني” ومساعده “محمد جواد باي” في 24 مايو الجاري، إثر تحطم مقاتلة صينية من طراز “F-7” تابعة للجيش الإيراني، شرقي محافظة أصفهان وسط إيران. وقد قال الجيش الإيراني، في بيان تلى تلك الواقعة، أن “خلل فني” وراء تلك الحادثة، وبعدها بيومين، أعلنت وزارة الدفاع الإيرانية عن مقتل المهندس “إحسان قد بيغي” وإصابة آخر جراء حادثة بإحدى الوحدات البحثية التابعة للوزارة في منطقة بارشين جنوب شرق طهران.
(*) هجمات غير مدروسة: فور وقوع حوادث الاغتيالات، يسارع النظام الإيراني في إطلاق الردود على تلك الحوادث موجهين الاتهامات في أغلب الأوقات إلى إسرائيل باعتبارها المسئولة عن تهديد أمن نظام الملالي لثنيه عن إجراء أي تطوير في برنامجه النووي، وهو ما يدفع النظام الحاكم للتعجل في الرد على تلك الوقائع، لامتصاص الغضب الشعبي من ناحية “حفظ ماء الوجه”، وإيصال رسالة للعدو أنه قدر على الرد والتهديد المتبادل من ناحية أخرى، ونظرًا لأن تلك الهجمات تكون “غير مدروسة” وعلى عجلة، فإنها تفشل في نهاية الأمر، بل وقد تحمل عواقب كارثية على البلاد.
ولعل واقعة الرد على اغتيال واشنطن لـ “قاسم سليماني”، خير دليل على ذلك، إذ قام الحرس الثوري الإيراني بإطلاق صاروخين لاستهداف القواعد العسكرية الأمريكية بالعراق، إلا أن الهدف أخطأ ونجم عنه تحطم طائرة ركاب أوكرانية كانت تحلق فوق الأجواء الإيرانية، وراح ضحيتها 167 شخصًا من جنسيات مختلفة، وقال الحرس الثوري وقتها أن “الرادارات أخطأت التقدير”، وحتى الآن تحقق الجهات الدولية المعنية في هذه الحادثة، ويطالب أسر الضحايا إيران بدفع تعويضات لهم ومحاسبة المتهمين في هذه الوقائع. يذكر أن الإيرانيين خرجوا في احتجاجات للتنديد بتلك الواقعة التي كشفت عن ضعف الأجهزة الأمنية للنظام الحاكم.
(*) عنجهية الملالي: يقوم مسئولي النظام الإيراني في كل مرة تحدث فيه واقعة اغتيال لأحد القيادات أو تفجير في أحد المنشآت النووية، بإطلاق التصريحات التي تبرز “عنجهية” هذا النظام، والتي تخفي ورائها الخلل الأمني الذي تعاني منه أجهزته الاستخباراتية والأمنية، فسبق وقال “إسماعيل قاآني” قائد فيلق القددس في الذكري الثانية لاغتيال “سليماني” أن “الطريق الذي كان يسلكه شهداؤنا الشامخون، والذي ما يزال متواصلًا، هو طريق الشموخ والعزة”، ومضيفًا، “الطريق المجيد للمقاومة سيستمر وسيف المقاومة سيزيل العوائق”، وزعم في نهاية حديثه، أن النهج الإيراني في الانتقام مختلف عن نهج المجرمين، متوعدا بالثأر لدم سليماني، رغم مرور عامين على واقعة الاغتيال.
وعقب واقعة اغتيال العالم النووي “فخري زاده”، سارع البرلمان الإيراني بإصدار قرارًا يقضي بالموافقة على تسريع البرنامج النووي وزيادة تخصيب اليورانيوم 20% وفرض قيود على عمليات التفتيش، والهدف من ذلك إيصال رسالة للمجتمع الدولي أن طهران قادرة على تهديد أمن دول العالم، رغم أنها فشلت في حماية قياداتها ومؤسساتها.
(*) أوضاع اقتصادية مزرية: لا شك أن العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران والتي نجم عنها تدهور الاقتصاد الإيراني وانهيار العملة المحلية للبلاد، ألقت بظلالها على الأوضاع العسكرية والقدرات الأمنية التي يستخدمها النظام في الرد على أية هجمات يتعرض لها، وكشفت أكاذيب نظام الملالي بأن لديه أدوات عسكرية وصاروخية قوية، والاختراقات الأمنية الأخيرة خير دليل على ذلك، فضلًا أن فشل النظام الإيراني في التعامل مع جائحة كورونا ساهم في تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، أكثر فأكثر، وهو بدوره أدي لتفاقم الغضب الشعبي.
انعكاسات محتملة:
وتجدر الإشارة، أن واقعة اغتيال “خدائي” ستخلف ورائها بعض الانعكاسات التي ستؤثر بالفعل على سياسة النظام الإيراني ورده على أية هجمات مقبلة، وسيأخذ في عين الاعتبار ، أمرين، أولهما، سيكون متعلق باتباع سياسة ضبط النفس في الرد على تلك الحوادث، لأن أي رد فعل سريع وغير مدروس سيخلف ورائه عواقب لن يتحملها هذا النظام في هذا التوقيت تحديدًا الذي يعاني فيه من تدهور لأوضاعه الاقتصادية والمعيشية مع تفاقم الاحتجاجات بالشارع الإيراني. أما الأمر الثاني، فسيكون متعلق بـ “مفاوضات فيينا النووية” التي توقفت مؤقتًا الفترة الماضية، خاصة أن إيران تعي تمامًا أن إسرائيل لا تريد استكمال تلك المفاوضات لتقويض برنامج إيران النووي والصاروخي، كما يلي:
(*) تفاقم الغضب الشعبي: ومن المرجح أن يؤدي إخفاق نظام الملالي المتواصل مع وقائع الاغتيالات إلى تصاعد الإضرابات والاحتجاجات بإيران التي تشهد بالفعل “احتجاجات الغلاء” في الوقت الحالي، وهو ما سيدفع القوي الأمنية الإيرانية والحرس الثوري لقمع تلك الاحتجاجات بالقوة، وشن مزيد من حملات الاعتقال في محاولة منها لمنع أي صوت معارض للنظام.
(*) تقويض المفاوضات النووية: قد تسهم حوادث الاختراقات التي يتعرض لها نظام الوالي الفقيه في إجباره على الموافقة على شروط الغرب وأمريكا فيما يخص استئناف مفاوضات إحياء الاتفاق النووي مرة أخرى، والوصول إلى تسوية بشأن التخفيف من حدة العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، وفي المقابل قد تتبع طهران “أسلوب المراوغة” من خلال زعم أنها ستتوقف عن دعم الجماعات الإرهابية الموالية لها في دول المنطقة، مقابل رفع العقوبات.
وتأسيسًا على ما سبق، فإن الأيام المقبلة قد تدفع نظام الملالي للتركيز على إعادة هيكلة مؤسساته الاستخباراتية والأمنية لمعالجة حوادث الاختراق الاستخباراتي التي تفاقمت خلال السنوات الماضية، وتهديد الغرب بتطوير البرنامج الإيراني النووي والصاروخي إذ فشل في التوصل لصفقة نووية بمفاوضات فيينا، بل وقد تكثف جماعته بسوريا والعراق من أعمالها الإرهابية للرد على أية هجمات إسرائيلية محتملة.