قرارات مؤجلة: 7 تحديات تواجه العالم على طاولة منتدى دافوس 2022

انطلق يوم الأحد الـ 22 من مايو 2022 أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا، واستمرت جلساته حتى الخميس 26 مايو، وتصدرت عواقب جائحة كورونا، كذلك انعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية جدول أعمال الدورة الجديدة للمنتدى، إضافة إلى الوضعين المالي والغذائي في العالم.

وتأتي فعاليات المنتدى لأول مرة حضورياً عقب التوقف لعامين بسبب الإجراءات الاحترازية منعا لتفشى جائحة كورونا. ويحمل الاجتماع السنوي للمنتدى، عنوان “التاريخ يقف عند نقطة تحول… السياسات الحكومية واستراتيجيات الأعمال”، بحضور نحو 2500 من كبار الشخصيات والمسئولين، كذلك قادة عالميين يمثلون قطاعات الأعمال والحكومات والمجتمع المدني لبحث سبل التصدي للتحديات العالمية، ومحاولة الوصول إلى سياسات تصلح لمواجهة التحديات الجسيمة، التى يوجها الاقتصاد العالمى، والتى تفاقمت فى ظل حرب روسيا.

تجدر الإشارة إلى أن المنتدى شهد حضور الرئيس الأوكراني ” فولوديمير زيلينسكي” عبر الفيديو كونفرس، حيث حاول فى كلمته حض العالم على تقديم المزيد من المساعدات المالية والعسكرية لبلاده، وربما تجديد طلب كييف الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. هذا فى ظل استبعاد روسيا من حضور جلسات المنتدى.

أجندة مُحملة:

انصب تركيز المنتدى على ثلاثية الأزمات العالمية الحالية بما في ذلك ( الحرب الأوكرانية، والأمن الغذائى، والتغيرات المناخية). ومن بين أهم القضايا والتحديات التي تم مناقشتها فى جلسات المنتدى ما يلى:

(*) مشكلة لقاحات جائحة كورونا: وهى التأثيرات المستمرة، خاصة أنه مازال حتى تاريخه نحو 70% من سكان العالم النامى لم يحصوا بعد على لقاح كورونا، كما أن مستجدات المرض تأخذ مسارات مختلفة وتضيف أعباء جديدة للقطاع الصحى العالمى. وفي ظل استمرار ضعف وهشاشة القطاع الصحى في الدول الفقيرة، وعدم قدرته على مواجهة تداعيات الأمراض المختلفة، تصدر “تحقيق العدالة في اللقاحات لتلك الدول وخاصة الأفريقية، الأولويات فى أعمال المنتدى، حيث تشير الإحصائيات إلى أن 77 مليون أفريقي فقط (حوالي 6٪ من سكان القارة) حصلوا على كامل التطعيمات.

(*) عقبات سلاسل التوريد العالمية: حيث تشهد حركة الشحن البحري من منطقة البحر الأسود في الوقت الحالي ارتباكاً شديداً بسبب الحرب، والذي أدى إلى وقف عدد من الخطوط الملاحية من وإلى أوكرانيا، وهو ممر مهم لشحنات الحبوب والمعادن والنفط الروسي إلى بقية العالم. كما توقفت حركة الشحن الجوي أيضاً، بعد أن أعلن الاتحاد الأوروبي إغلاق مجاله الجوي أمام الطائرات الروسية، وقد أدى ذلك إلى صعوبة الحصول ليس فقط على القمح والذرة، بل أيضا على العديد من المعادن الهامة ومنها البلاديوم الذى تمد به روسيا دول أوربا بنسبة تصل إلى أكثر من 40%، في حين يأتي 90 % من لوازم النيون المطلوب لصناعة أشباه الموصلات من أوكرانيا، وقد تواجه شركات صناعة السيارات والشركات المصنعة للأجهزة الإلكترونية وصانعي الهواتف والعديد من القطاعات الأخرى التي تعتمد على تصنيع شرائح أشباه الموصلات مخاطر كبيرة بسبب الصراع الراهن.

(*) التضخم العالمى: تكشف الحرب الروسية الأوكرانية تطورات عديدة تتعلق بارتفاع الأسعار وتفاقم معدلات التضخم، هذا فى وقت لم يتعاف فيه الاقتصاد العالمي من جائحة كورونا بشكل كامل، وذلك نتيجة اختلالات العرض والطلب، وارتفاع تكاليف النقل والشحن، والاختناقات القائمة في سلاسل الإمداد العالمية. وأصبح التضخم يشكل خطرا واضحا وحاضرا في بلدان عديدة، ففي الولايات المتحدة وألمانيا وعدد من البلدان الأوروبية، بلغ التضخم أعلى مستوياته على الإطلاق خلال 40 عاما. كما ظهر شبح الركود التضخمي فى ظل الحرب الدائرة ، حيث شهدت أسعار السلع والمعادن والطاقة والحبوب ارتفاعات قياسية وسط تراجع آفاق نمو الاقتصادات العالمية. ويتوقع المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية في بريطانيا، أن الحرب في أوكرانيا قد تضيف ثلاث نقاط مئوية إلى التضخم العالمي المُتفاقم بالفعل، بينما قد تمحو واحداً في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي هذا العام. ويشير الشكل رقم (1) إلى ارتفاع شديد فى معدلات التضخم فى دول أوروبا وعلى رأسها الولايات المتحدة، كذلك فى الأسواق الصاعدة والنامية ومنطقة اليورو، ويستمر هذا التضخم حتى عام 2022، وقد ينخفض بشكل ملحوظ فى عام 2023 إذا توقفت الحرب الروسية الأوكرانية، وذلك وفقا لتوقعات صندوق النقد الدولى.

شكل رقم (1) توقعات معدلات التضخم فى كافة اقتصادات العالم لعام 2022

(*) تزايد حدة الفقر: في تقرير صدر عن منظمة “أوكسفام” أكدت فيه وقوع 263 مليون شخص تحت خط الفقر المدقع هذه السنة 2022- أي بمعدل مليون شخص كل 33 ساعة، لا سيما في الشرق الأوسط وأفريقيا، بسبب الآثار المدمرة لأزمة المناخ، وبسبب جائحة كوفيد، كذلك الحرب الروسية الأوكرانية. وهذه المعدلات المتزايدة تشير بأوضاع اجتماعية سيئة تعمل فى غير صالح التنمية الاقتصادية على مستوى العالم.

(*) الأمن الغذائى: أكدت منظمة الفاو أن الزراعة في العديد من البلدان معرضة للخطر كذلك نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية، داعية إلى اتخاذ إجراءات على نطاق واسع، وبحسب تقديرات برنامج الغذاء العالمي، يواجه نحو 49 مليون إنسان حول العالم مستويات خطيرة من الجوع، ووفقا للتوقعات، سيعاني حوالي 329 ألف شخص في الصومال وجنوب السودان واليمن من انعدام الأمن الغذائي بحلول نهاية عام 2022. وفي منطقة الساحل بأفريقيا، على سبيل المثال، وصلت أعداد الذين يقفون على حافة المجاعة إلى عشرة أمثال عددهم على أقل تقدير قبل تفشي وباء كورونا.

(*) التحول المناخى: أصبحت قضية تغير المناخ أكثر إلحاحاً، وأحد أهم الأخطار التي تواجه البشرية في الوقت الراهن، تشير التقديرات إلى احتمالية مواجهة الاقتصاد العالمي لعواقب غير مسبوقة، ومنها التقلص بنسبة تصل إلى 18% في السنوات الثلاثين المقبلة، في حال عدم اتخاذ أي إجراء متعلقة بحماية المناخ، وهو الأمر الذي يتطلب جهودا عالمية من أجل الوصول إلى «الحياد الصفري» بحلول عام 2050، وتشير تقارير “البنك الدولي” إلى أن درجة حرارة الأرض قد ترتفع 4 درجات مئوية في نهاية القرن الجاري، الأمر الذي ستنتج عنه آثار مدمرة على الزراعة والموارد المائية وصحة البشر، وسيكون الفقراء أشد المتضررين من هذه الآثار، التي لن تستثني أياً من مناطق العالم.ويبقى على دول العالم الحاجة إلى موارد مالية واستثمارات رشيدة لمواجهة التغيرات المناخية، وذلك لتقليل الانبعاثات، وتعزيز التكيف مع الآثار التي تحدث بالفعل.

(*) تراجع مستوى النمو  العالمى: خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي للمرة الثانية هذا العام، حذر صندوق النقد الدولي من تباطؤ مستويات النمو من 6.1% العام الماضي إلى 3.6% هذا العام- أي أقل بمقدار 0.8 نقطة مئوية عما كان متوقعاً في يناير الماضي.  ووصف الحرب في أوكرانيا والتضخم بأنهما “خطر واضح وقائم” للعديد من البلدان، حيث أن النمو والتضخم يسيران في اتجاهين معاكسين، إذ تكبح ضغوط الأسعار المتزايدة النشاط الاقتصادي وتدمر القدرة الشرائية للأسر .ويعكس ذلك التأثير المباشر للحرب على أوكرانيا والعقوبات على روسيا، حيث يُتوقع أن يشهد كلا البلدين انكماشات حادة في معدلات النمو. وفي الاتحاد الأوروبي، تم تخفيض توقعات النمو للعام الجاري بمقدار 1,1 نقطة مئوية نتيجة الآثار غير المباشرة للحرب، مما يجعله ثاني أكبر مساهم في تخفيض التوقعات الكلية. ونظراً لكونه الأقرب من الناحية الجغرافية والاقتصادية إلى أوكرانيا، فإن الاقتصاد الأوروبي هو الأكثر ضعفاً.

شكل رقم (2) توقعات النمو الاقتصادى العالمى لعامى 2022 ، و2023

وتأسيسا على ما سبق، يمكن القول إن المنتدى الاقتصادي العالمي يمثل فرصة لتبادل الخبرات والآراء بشأن تحديات الاقتصاد العالمى القائمة، وتحديد أولوياته واستراتيجيات مواجهة الأزمات، التى تمثلت أولها فى ضمان أن يكون النمو العالمي الاقتصادي أكثر شمولاً، حيث يجب أن توجيه الاستثمار المستدام إلى الاقتصادات التي تعاني من نقص التمويل.

هذا فضلا عن ضرورة تسريع التحول الرقمي، وهو تطور أطلق عليه المنتدى الاقتصادي العالمي بـ (الثورة الصناعية الرابعة)، حيث بحسب بعض التقديرات ستعتمد 70% من القيمة الجديدة لنماذج الأعمال على استخدام التطبيقات الرقمية. كذلك ضرورة تسريع التحول الأخضر، وهو الأمر الذي يتطلب الوصول إلى «الحياد الصفري» بحلول عام 2050.

 كما تجدر الإشارة في نهاية التحليل إلى أن معظم الدول الكبرى أصبحت على قدر من الشكوك بشأن النظام الاقتصادى العالمى القائم على العولمة المفرطة، وظهرت توجهاتهم نحو تقييد تلك العولمة نسبيا من خلال تدخلات وسياسات حكومية رشيدة، وهو ما ظهر واضحاً حتى فى عنوان المنتدى. كما يتضح أن التحديات المطروحة على طاولة المنتدى كانت أكبر وأعمق من وضع حلول لها، حيث أن الحرب الروسية مستمرة ومازال المشهد ضبابيا أمام الجميع؛ وبالتالى لم يكن المنتدى سوى مجال للنقاش ووضع الاقتراحات بشأن الخروج من تحديات الاقتصاد العالمى ولم يصدر قرارات ملزمة لاقتصادات العالم بل فقط طرح التحديات وتناول سبل تجاوزها، مؤكداً أن الأمر يتوقف على الأحداث الراهنة.

 

د.جيهان عبد السلام

مساعد مدير المركز في الملفات الاقتصادية والدراسات الإفريقية. -أستاذ مساعد الاقتصاد بجامعة القاهرة. -حاصلة على دكتوراه الاقتصاد بكلية الدراسات الأفريقية العليا. -عضو هيئة تحكيم البحوث الاقتصادية لدى المركز الجامعي لترامنست. -عضو هيئة تحكيم لدى كلية الاقتصاد والإدارة وعلوم التيسير. -عضو هيئة تحكيم لدى جامعة الشهيد لخضر. -خبير اقتصادي وكاتبة في العديد من المجلات العلمية ومراكز الدراسات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى