هل يشهد الحوار الوطني انطلاق الإصلاح المؤسسي الشامل؟

محسن الزيني- باحث مصري متخصص في السياسات العامة.

الإصلاح المؤسسي الشامل، هي كلمة السر في نجاح الحوار الوطني، الذى دعا له الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال حفل إفطار الأسرة المصرية في نهاية شهر رمضان الماضي، وتم تكليف الأكاديمية الوطنية للتدريب بتنظيم وإدارة فعاليات الحوار الوطني وبدأت بالفعل الأكاديمية في توجيه الدعوات وفتح باب التسجيل للحضور والمشاركة.

والإصلاح المؤسسي الشامل، الذى نعنيه ونطمح في تحقيق انطلاقه يصل إلى ما هو أبعد من الإصلاح السياسي بتنويعاته المختلفة ليشمل الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والتشريعي وتجديد الخطاب الديني وإصلاح النظام التعليمي وبناء منظومة قيم ثقافية جديدة تتناسب مع التطورات الحالية في المجتمع نتيجة التطور التقني الهائل بشرط مشاركة جميع القوى والتيارات السياسية المدنية والتمثيل المنصف لكل فئات المجتمع.

وبعيدا، عن التوقعات المسبقة سواء المفرطة في التفاؤل أو على الجانب الأخر الغارقة في التشاؤم، فإن الدعوة الرئاسية تأتي في توقيت دقيق ومهم، كما جاءت تزامنا مع إعادة تفعيل نشاط لجنة العفو الرئاسي مما يعطي انطباعا أن الحوار الوطني هذه المرة ليس كسابقه من المرات في أوقات وظروف أخرى.

خاصة، وأن الجهة المنوط بها تنظيم وإدارة فعاليات الحوار الوطني هذه المرة (الأكاديمية الوطنية للتدريب) ليست جهة حكومية، بل ولديها العديد من السوابق الناجحة في هذا المجال سواء في تنظيم مؤتمرات الشباب أو تنظيم منتدى شباب العالم لأكثر من نسخة. وتجدر الإشارة هنا إلى البيان الصادر عن الأكاديمية الوطنية للتدريب، وتعهدها بأن تدير الحوار الوطني بكل تجرد وحيادية تامة، وتأكيدها على أنه سيتم مراعاة التنوع في أماكن عقد جلسات الحوار بحيث تشمل معظم مناطق الجمهورية.

التوقيت الدقيق:

إن الحاجة إلى وجود حالة من الحوار بين كل مكونات المجتمع مطلوبة في جميع الأوقات، وتزداد الحاجة إلى الحوار الوطني عندما يكون هناك وضع حرج أو استثنائي، وهو ما تمر به الدولة المصرية في الوقت الحالي من جراء التداعيات الاقتصادية الكبيرة التي أوجدتها جائحة كورونا، وكذلك أزمة الحرب الأوكرانية. إضافة إلى التحديات الإقليمية المتعددة، ومنها أزمة سد النهضة، وعدم الاستقرار السياسي لبعض دول الجوار، وهو ما يلقي ببالغ الأثر على الأمن القومي للدولة المصرية ويمثل تهديدا بالغ الخطورة عليها.

هناك أيضا مجموعة من الضغوط الداخلية الأخرى التي تدفع بقوة إلى ضرورة الحوار وضرورة العمل على تحقيق انفراجة سياسية، حيث أن الحياة الحزبية في مصر تعاني من الشلل وعدم قدرة الأحزاب الموجودة – على كثرتها – على التواصل الحقيقي مع المواطن المصري.

يتمثل التوقيت الدقيق والمهم للدعوة إلى الحوار الوطني، أنه جاء بعد النجاح الملحوظ والمؤثر لأجهزة الدولة المصرية في مجابهة الإرهاب، والقضاء على تهديداته خاصة في سيناء، التي نتوقع الإعلان عن خلوها تماما من الإرهاب، وبداية جنى ثمار الاستقرار والتنمية على أرضها في القريب العاجل. على الرغم من قيام بعض العناصر الإرهابية بتنفيذ بعض الهجمات المتتالية في سيناء بعد الإعلان عن الدعوة للحوار الوطني بأيام. وتصدت لها قوات إنفاذ القانون من رجال القوات المسلحة التي تواصل تطهير البلاد واجتثاث جذور الإرهاب.

الرؤية والأساس:

إن الحوار الوطني يجب أن يكون شاملاً ومنفتحاً على كل الآراء والأفكار وعلى جميع الأحزاب والتيارات والتوجهات الفكرية. كما أتصور أن يكون الحوار الوطني مختلفا يبتعد عن الأطر والأشكال التقليدية، فما نحتاجه الآن، هو حوار غير تقليدي يناقش ويحلل ويفند جميع التحديات والقضايا برؤى وزوايا مختلفة، وينتج حلول ومقترحات وتوصيات واضحة، فعالة وواقعية.

كما يمكن البناء على الأسس التى أرستها الدولة المصرية خلال السنوات الماضية وأهمها مبدأ المواطنة، وعدم التفرقة بين أبناء الوطن الواحد على أساس المعتقد الديني. ننطلق جميعا من مبدأ أن الجميع متساوون في الحقوق والواجبات ولا يوجد تمييز بين شخص وآخر مع التأكيد على الحفاظ على الوطن وحماية أمنه.

ومن المهم والضروري، أيضا أن يتم ضمان الاستمرارية في انعقاد جلسات الحوار الوطني سنويا ويمكن تشكيل لجنة دائمة للحوار تكون منوطة برصد ومتابعة وتقييم الأوضاع الراهنة وتوقع التطورات المستقبلية ومتابعة ما تم إنجازه من توصيات وما يحتاج إلى إضافته أو تنقيحه إذا لزم الأمر ليبقى الحوار ممتدا ومفتوحا.

مما سبق يتضح، أن الدولة المصرية تقف على أعتاب عقد اجتماعي جديد وترتيب لأولويات العمل الوطني مما يتطلب من جميع الأطياف والتيارات التوحد والانحياز إلى المصلحة الوطنية للتغلب على التحديات الكبيرة التي تواجه الدولة المصرية، والوصول سويا إلى الهدف النهائي من الحوار الوطني والتوافق على ملامح خريطة الطريق إلى تدشين (الجمهورية الجديدة) التي تحتاج حتماً إلى تكاتف الجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى