هل تشهد “عدن” عمليات إرهابية جديدة؟

نورا فايد- باحثة ببرنامج دراسات الخليج العربي.
مع إثارة التكهنات حول موقف ميليشا الحوثي الانقلابية من تمديد الهدنة الإنسانية في اليمن التي دخلت حيز التنفيذ في الثاني من إبريل الماضي وستنتهي في الثاني من يونيو المقبل، تعاود العمليات الإرهابية مجددًا لتضرب العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، مستهدفة بشكل خاص اغتيال أبرز قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي، وإفشال جميع محاولات التوافق بين القوي السياسية اليمنية ونشر السلام والاستقرار التي يسعى مجلس القيادة الرئاسي برئاسة «رشاد العليمي» لإرسائها في عدن منذ تدشينه في إبريل الماضي.
وجاءت محاولة الاستهداف الإرهابية الفاشلة لقائد القوات الجنوبية المشتركة اللواء «صالح بن علي الذرحاني اليافعي» رئيس العمليات المشتركة للقوات المسلحة الجنوبية، في 15 مايو الجاري، إثر استهداف موكبه أثناء مروره بسيارة مفخخة في مديرية المعلا بالمحافظة عدن وخاصة في الشارع الرئيسي الذي كان يضم حديقة وروضة أطفال وكذا مبنى تجاري مزدحم بالمواطنين؛ لتطرح تساؤلًا حول دلالة هذه الأعمال الإرهابية والمستفيد منها في ذلك التوقيت تحديدًا؟، وهذا ما سنحاول الإجابة عليه في هذا التحليل.
من المستفيد؟:
رغم أنه حتى الآن لم تعلن أي جماعة إرهابية مسؤوليتها عن محاولة استهداف «اليافعي»، إلا أن الحكومة اليمنية الشرعية وجهت الاتهام إلى ميليشا الحوثي الانقلابية على اعتبار أنهم أكثر المستفيدين من تلك الأعمال الإرهابية الهادفة لزعزعة الأمن والاستقرار في محافظات الجنوب المحررة، خاصة مع ارتفاع الأصوات المحلية والدولية المطالبة بضرورة توقف الميليشا الحوثية عن خرق اتفاق الهدنة الإنسانية والتوقف عن جميع العمليات العسكرية الهجومية برًا وجوًا وبحرًا، في حين أن البعض أفاد بوجود تعاون حوثي إخواني لتنفيذ محاولة الاغتيال هذه، ولذلك يمكن رصد عدد من الدلالات حول المستفيدين من تنفيذ تلك الأعمال الإرهابية، كما يلي:
(*) عرقلة عمل مجلس القيادة الرئاسي: منذ تشكيل المجلس في أبريل الماضي، والحوثي يحاول استخدام جميع أدواته لإفشال محاولات المجلس الرئاسي الهادفة لنشر السلام والاستقرار وإجراء توافق سياسي بين القوي اليمنية المختلفة بالعاصة عدن، وهذا بإغراق العاصمة المؤقتة في مستنقع الإرهاب، وتفكيك البنية القيادية الموحدة خاصة بعد التوافق السياسي بين المجلس الرئاسي والمجلس الانتقالي الجنوبي الهادف للنهوض بعدن وتحسين أوضاعها السياسية والاقتصادية والعسكرية، والهدف الحوثي جراء ذلك، هو إيصال رسالة إلى المجتمع الدولي بأن المجلس الرئاسي “سلطة فاشلة” لا تستطيع تأمين مناطق سيطرتها، وأن الحوثي هو الأنسب للقيام بتلك المهمة.
وهذا ما دفع «معمر الإرياني» وزير الإعلام بالحكومة اليمنية الشرعية، لإصدار بيانا، لإدانة محاولة اغتيال «اليافعي» والتأكيد على أن تلك الأعمال الإرهابية لن توقف مسيرة التحول السياسي في عدن، داعيا المجتمع الدولي وجميع المنظمات الدولية المعنية بضرورة الضغط على الميليشا الحوثية لاحترام اتفاق الهدنة ووقف أنشطتها الإرهابية الهادفة لزعزعة الاستقرار بالمناطق اليمنية المحررة.
(*) استهداف القيادات الجنوبية: تمكن المجلس الانتقالي الجنوبي بمساندة القوات الأمنية الجنوبية خلال الثماني سنوات الماضية منذ انقلاب ميليشا الحوثي وسيطرتها على العاصمة اليمنية صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية، من تطهير محافظات الجنوب من التنظيمات الإرهابية بما فيها عناصر جماعة الإخوان ممثلين في “حزب الإصلاح اليمني” والحوثيين، وهذا ما دفع تلك الجماعات من القيام بأعمال إرهابية بشكل مستمر لاستهداف القيادات الجنوبية التي نجحت مؤخرًا في توجيه ضربة للإخوان بعد الإطاحة بهم من رأس السلطة الشرعية عقب نجاح مشاورات الرياض بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي برعاية المملكة العربية السعودية، وهذا ما دفع الإخوان للتعاون مؤخرًا وبشكل سري مع الميليشا الحوثية من أجل تفكيك المجلس الانتقالي باستهداف قياداته واسقاط المحافظات الجنوبية المحررة.
وهذا ما دفع عدد من قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي للتعليق على محاولة اغتيال «اليافعي»، بالتأكيد على أن تلك الأعمال الإرهابية لن ترهب الشعب الجنوبي بل ستزيده إصرارا على استعادة اليمن من تلك التنظيمات الإرهابية، وقال المتحدث الرسمي للقوات المسلحة الجنوبية المقدم «محمد النقيب» في بيان “إن تلك الأعمال الإرهابية منها المفخخات جزء من حرب شاملة تشن على الجنوب لكنها ستبوء بالفشل وستزيد شعب الجنوب بجميع مؤسساته العسكرية والأمنية قوةً وعزمًا وإصرارًا على استكمال تحرير الجنوب من قوى الاحتلال وأدواته الإرهابية”.
(*) تجزئة الهدنة الإنسانية: تنفيذ مثل هذه الأعمال الإرهابية يأتي كنوع من الضغط والابتزاز السياسي الذي يمارسه الحوثي على منظمة الأمم المتحدة للموافقة على الشروط التي سيضعها مقابل موافقته على تمديد الهدنة الإنسانية والتي بموجبها سيحصل الحوثي على مكاسب سياسية واقتصادية، وهذا هو النهج ذاته الذي تقوم به حليفته إيران في التعامل مع الغرب في ملف الاتفاق النووي وعدد من القضايا الأخرى، وتجلى ذلك واضحًا في 20 مايو الجاري حينما خرج زعيم الحوثيين «عبدالملك الحوثي» في كلمة له لانتقاد مجلس القيادة الرئاسي والتأكيد على استمرار جماعته في استئناف معاركها العسكرية بل وتجاهل المطالب الأممية بتمديد فترة الهدنة المعلنة.
وبعد يومين من تهديد زعم الميليشا المتمردة، خرج رئيس المجلس السياسي للحوثين «مهدي المشاط» في خطاب له بمناسبة الاحتفاء ” بالذكري الـ32 لعيد الوحدة اليمنية”، ليزعم أن جماعته ليست ضد تمديد الهدنة الإنسانية وأن الأطراف الأخرى هى من خرقتها، وهذا ما يعطي الحوثي الحق في القبول بتمديد الهدنة ولكن بشريطة تحقيق “مزايا إنسانية واقتصادية”، قائلًا، “لابد من تعاون حقيقي ومشجع يُفضي إلى تحسين المزايا الإنسانية والاقتصادية في أي تهدئة كأولوية صارمة تستدعيها ضرورة التخفيف من معاناة الشعب اليمني المحاصر”.
سيناريو متكرر:
من الجدير بالذكر، أن الأعمال الإرهابية في عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى بمثابة سيناريو متكرر، يثبت في كل مرة عن تعاون بين الحوثي والإخوان من جهة، والحوثي والتنظيمات الإرهابية ممثلة في تنظيمي (القاعدة، داعش) من جهة أخرى، مع العلم أن الحوثي خلال السنوات الماضية اتخذ من التنظيمات الإرهابية الأخرى “تكتيك السيارات المفخخة” كوسيلة لتنفيذ جرائمه، إذ وجهت أصابع الاتهام إلى الحوثي في إبريل الماضي بمسؤوليته عن اغتيال قائد قاعدة العند اللواء «ثابت جواس» بسيارة مفخخة عبر خلايا للمليشيات في لحج على حدود عدن، لذ يمكن القول أن اغتيال الحوثي لقيادات جنوبية بعينها يرجع إلى سيطرته على الاتصالات الهاتفية ومن ثم التجسس على هذه القيادات و معرفة تحركاتهم.
وما يؤكد أن الحوثي لطالما سعى لاستغلال أي حدث من شأنه الوصول لتسوية سياسية للازمة اليمنية بتنفيذ مثل هذه الأعمال الإرهابية، أنه في ديسمبر 2020، عقب وصول تشكيل الحكومة اليمنية الجديدة «حكومة الكفاءات السياسية» كجزء من “اتفاق الرياض” إلى العاصمة عدن قادمين من العاصمة السعودية الرياض، وقعت ثلاثة انفجارات بمطار العاصمة عدن ونجم عنها وقع عدد من الضحايا إلا أن أفراد الحكومة لم يُصب أي منهم بأذى، ووجهت الحكومة اليمنية أصابع الاتهام إلى ميليشا الحوثي التي اعترفت بعد ذلك بمسؤوليته عن هذا الهجوم الإرهابي انتقاما لاغتيال واشنطن لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني «قاسم سليماني» في يناير 2020.
وبعد هذا الهجوم توالت الأعمال الإرهابية على العاصمة عدن والمحافظات الجنوبية المحررة وتزايد التعاون بين الحوثي والتنظيمات الإرهابية الأخرى، وأفرجت الميليشا الحوثي عن عدد من عناصر القاعدة كجزء من عمليات تبادل الأسري، للقضاء على أي محاولة تشكل تهديدًا للوجود الحوثي بالأراضي اليمنية.
ومن بين تلك الأعمال، في 10 أكتوبر الماضي، استهدف هجوم إرهابي بسيارة مفخخة محافظ عدن «أحمد حامد لملس» ووزير الزراعة «سالم السقطري» في مديرية التواهي بعدن، ونجم عنه وقوع عدد من القتلي والجرحي، وكشف المجلس الانتقالي الجنوبي وقتها أن تعاون “حوثي إخواني” وراء هذا الهجوم، لعرقلة الاتفاق السياسي بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، وإسكات الأصوات المنادية برحيل الإخوان بسبب فسادهم وتسببهم في تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية بالمحافظات الواقعة تحت سيطرتهم، هذا بالإضافة لهجوم إرهابي آخر في 30 أكتوبر الماضي، استهداف محيط مطار عدن عقب تفجير سيارة مفخخة، ونجم عنه وقوع خمسة شهداء وأكثر من 25 جريحًا من المواطنين، ومؤخرًا تم رصد عمليات إرهابية لتنظيم القاعدة في الأراضي اليمنية، كان آخرها، محاولة اغتيال في مارس الماضي للعميد «عبداللطيف السيدي» قائد الحزام الأمني في محافظة أبين جنوب اليمن بسيارة مفخخة قرب زنجبار، والتي تبنها تنظيم القاعدة لاحقًا.
وانطلاقًا مما تقدم، يمكن القول أن الحوثي الذي عمل على استثمار الهدنة الإنسانية لتحقيق مصالحه منذ التوقيع عليها، مستغلًا صمت المجتمع الدولي حول خروقاته وانتهاكاته المتعددة، وقام بإعادة ترتيب صفوفه العسكرية بإرسال تعزيزات كبيرة سواء بالأسلحة أو بالمقاتلين إلى جبهات القتال، سيواصل تنفيذ أعمالها الإرهابية لتبديد جميع محاولات الحراك الأممي الرامي إلى إطلاق عملية “سلام شاملة” بالأراضي اليمنية، ولذلك على القوات الجنوبية وقوات الجيش الوطني اليمني والتحالف العربي تحت اشراف مجلس القيادة الرئاسي، وضع خطة استراتيجية لاعادة الهيكلة الأمنية وتفعيل دور المخابرات بالمحافظات الجنوبية للتصدي لأي أعمال إرهابية من شأنها عرقلة العملية السياسية باليمن.