هل ورطت “أمريكا” أوكرانيا في حربها مع روسيا؟

مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية شهرها الثالث، يزداد انخراط الولايات المتحدة في الحرب يوما بعد يوم، وكلما استمرت الحرب _ وإن كان يصب في صالح واشنطن لإنهاك وإلهاء روسيا _ إلا أنها ستصبح في الوقت نفسه ملزمة بتقديم أشكال مختلفة من الدعم أكثر إلى أوكرانيا حتى تستمر في مقاومة القوات الروسية، الأمر الذي يؤكده زيادة الدعم الأمريكي لكييف مع مرور الوقت على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري.

وبناءا على ذلك، كثرت التفسيرات حول دوافع الموقف الأمريكي، مما دعا البعض إلى إدراجه تحت بند الحرب بالوكالة، استنادا إلى اتساع الدعم الأمريكي كلما استمرت الحرب، بالتالي يحاول هذا التحليل الإجابة عن السؤال التالي، هو: هل ورطت “أمريكا” أوكرانيا في حربها مع روسيا؟.

مفهوم الحرب بالوكالة:

الحرب بالوكالة تعني أن تقوم قوة دولية أو إقليمية تنافس في منطقة نزاع، ولا تفضل الدخول في نزاع مسلح في هذه المنطقة بصورة مباشرة، أي امتناع هؤلاء اللاعبين عن النزول شخصيا إلى أرض النزاع، وبدلا من ذلك تعمل على تسليح لاعبين محليين _ غير رسميين في الغالب _للقتال بدلا عنهم، وبناءا على طلب واتفاق فيما بينهم، وفي الغالب هي حرب طويلة الأمد حيث لا غالب ولا مغلوب، ويشترط فيها الابتعاد الجغرافي حتى لا يمتد النزاع إلى الدول الكبيرة أو أحد حلفائها، كما يشترط أيضا العائد من تمويل الحروب بالوكالة. كما هو الحال في الحرب بالوكالة التي تبناها الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة في كوريا في بداية الخمسينات، والتي تقودها السعودية وإيران في اليمن.

تطور الدعم الأمريكي:

رغم أن الولايات المتحدة وحلفائها كانوا سببا في إشعال الحرب نوعا ما بعد وعودهم وإصرارهم على ضم أوكرانيا للناتو، وتشجيع أوكرانيا على تحدى روسيا،إلا أنه بمجرد بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير الماضي تعهدت واشنطن بأنها لن تتدخل في الحرب بأي شكل من الأشكال، وبالأخص على الصعيد العسكري، كما لن تنجر لمواجهة مع القوات الروسية خوفا من نشوب حرب عالمية ثالثة لن تكون محمودة عقباها، لذلك رفضت مساعدة أوكرانيا عسكريا بشكل مباشر، كما رفضت مناشدات زيلنسكي المتكررة وخطاباته أمام الكونجرس الأمريكي بفرض حظر طيران فوق الأجواء الأوكرانية.

ثم بدأ التدخل أو رد الفعل الأمريكي في الحرب بداية في صورة عقوبات اقتصادية متدرجة، اتسعت مع مرور الوقت، بعدما بدأت محدودة بعض الشئ، إلى أن بدأت تطال مؤسسات وبنوك هامة وشخصيات مقربة من الرئيس الروسي، ووصلت إلى استبعاد روسيا من نظام السويفت العالمي، كما شاركت في العقوبات الدول الأوروبية، حتى وصلت إلى آلاف العقوبات غير المسبوقة التي وجهت ضد روسيا خارج إطار مجلس الأمن.

ومع استمرار الحرب رغم ذلك، وإصرار بوتين على تحقيق أهدافه العسكرية كاملة في أوكرانيا، رغم تراجع أوكرانيا عن فكرة الانضمام للناتو، كما أبدت استعدادها لإعادة النظر في مسألة الحياد ونزع السلاح، لجأت واشنطن إلى السلاح الأكثر إيلاما من العقوبات السابقة بالنسبة للروس، بقرارها وبريطانيا حظر واردات النفط والغاز الروسيين، وحتى الآن تناقش حزمة سادسة من العقوبات الأوروبية على روسيا باتخاذ قرار مماثل لواشنطن ولندن، رغم تداعياته الاقتصادية والاجتماعية.

إلى أن تطور الأمر إلى تقديم واشنطن المساعدات العسكرية إلى كييف، حتى أصبحت _ وفقا لتقارير غربية _ أكبر متلق للمساعدات العسكرية الأمريكية على مستوى العالم، متجاوزة بذلك إسرائيل، حيث أرسلت واشنطن مساعدات عسكرية إلى كييف طيلة الفترة من ٢٠١٤ وحتى ٢٠٢١ بما يقارب من ٢,٧ مليار دولار، في حين وصل حجم هذه المساعدات في منذ الغزو الروسي لأوكرانيا حوالي ٣,٨ مليار دولار، كما صادق الكونجرس الأمريكي على حزمة مساعدات جديدة تبلغ قيمتها ٤٠ مليار دولار تقريبا، تشمل مساعدات عسكرية واقتصادية وإنسانية، كما وقع الرئيس الأمريكي مؤخرا على قانون الإعارة والتأجير الذي يبسط تقديم المساعدات العسكرية للسلطات الأوكرانية. وشملت المعدات العسكرية الأمريكية؛ معدات واقية من الهجمات الكيميائية، وصواريخ مضادة للدبابات، ومدافع هاوترز، وطائرات هليكوبتر، وأخرى بدون طيار، ومدرعات ناقلة للجنود، ورادارات مضادة للمدفعية وغيرها. هذا فضلا عن أن واشنطن نجحت في تكوين تحالف دولي عسكري لدعم أوكرانيا، بالاشتراك مع وزراء الدفاع في أربعين دولة داخل الناتو وخارجه في القاعدة الجوية الأمريكية بألمانيا في أبريل الماضي، وتحالف الدول ذات النوايا الحسنة لدعم أوكرانيا.

ناهيك عن الجهود الاستخباراتية التي تزود من خلالها القوات الأوكرانية بالمعلومات عن التحركات والأسلحة الروسية، مما ساعد أوكرانيا في قتل عدد من الجنرالات في الجيش الروسي. والدعم السياسي أيضا، من خلال تأييد الموقف الأوكراني رسميا وفي العلن، والإدانات للهجوم الروسي، حتى وصل إلى وصف بايدن لبوتين بأنه ” مجرم حرب “،كذلك الزيارات التي أجراها مسئولون أمريكان إلى كييف، وعلى رأسها زيارة وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين في أبريل الماضي، وزيارة زوجة الرئيس الأمريكي، بالإضافة إلى زيارة وفد الكونجرس برئاسة نانسي بلوسي في أوج الحرب.

دعم مبرر أم حرب بالوكالة؟:

تأسيسا على ما سبق، ورغم تزايد المؤشرات على الانخراط الأمريكي المتزايد في الحرب يوما بعد يوم، إلا أنه لا يصح أن يطلق عليها حربا بالوكالة حتى الآن، ووفقا لآراء العديد من الأكاديميين الغربيين، ومنهم نورمان نيمارك، فالحرب الروسية الأوكرانية ليست حربا بالوكالة تخوضها أوكرانيا نيابة عن الولايات المتحدة، فكما ذكرنا، الحرب بالوكالة هي ما تخوضه جهة ما بعد طلب منها، وهو ما لا ينطبق على الوضع في أوكرانيا، لأن الجيش الأوكراني يقاوم الروس في بلاده هو ليس بناءا على طلب أمريكي، بل من أجل الدفاع عن أرضه والمواطنين، ومصلحته هي المحركة وليس مصلحة أي طرف آخر، حتى وإن كانت واشنطن مستفيدة من الحرب بطريقة ما، ولكن تبقي الاستفادة الأمريكية ليست دافعا لأوكرانيا في الحرب، خاصة وأن الأخيرة استشفت أن واشنطن وحلفائها تخلت عنها بعدما شجعتها على تحدى روسيا،فلماذا تخوض حربا من أجلها أو بالنيابة عنها ؟.

أضف إلى ذلك أن الموقف الأوكراني جاء كرد فعل عسكري بعدما تعرضت أوكرانيا لهجوم، ولم تبدأ هي الحرب. كما أن أوكرانيا لم تكن بؤرة لصراع داخلي تتنافس فيه واشنطن وموسكو، روسيا هيمن بدأت الحرب بالهجوم على أوكرانيا، وأصبحت أوكرانيا أمام أمر واقع بوجوبية الدفاع عن بلدها فقط، وليس دفاعا عن طرف آخر، أي كانت مجرد فعل ليس إلا.

وعلى سبيل المثال، مصر أثناء حرب أكتوبر، تلقت الدعم بأشكال مختلفة من عدة دول، ومنها دول الخليج، فمن غير المعقول الحكم بأن مصر تخوض حربا بالوكالة وعلى أرضهانيابة عن دول بعينها، وإنما جاء موقف القاهرة رد فعل على سلوك معادى نتج عنه احتلال جزء من أراضيها.

كما أن الوكيل في العادة يكون جماعات انفصالية أو مسلحة في الدولة، وليس دولة رسمية، فليس من السهل أن تخوض دولة ما مهما بلغت قوتها في العصر الحالي حربا مسلحة وداخل أراضيها نيابة عن دولة أخرى، خاصة وأن أوكرانيا ليست بالقوة الهائلة التي يمكنها تحمل تكلفة ذلك. كذلك فإن الدعم العسكري لم يقدم منذ البداية إذا كانت بالفعل حربا بالوكالة، بل رفضت واشنطن ذلك علنا، مما كان سببا في تقدم روسيا على الأرض منذ البداية، وجاء الدعم الأمريكي بعد ذلك بغرض انهاك القدرات الاقتصادية والعسكرية الروسية، واستعادة الهيمنة العالمية التي أضحت مهددة مؤخرا.

هذا إلى جانب نفي البيت الأبيض للوصف الذي ورد على لسان النائب الجمهوري سيث مولتون للحرب في أوكرانيا، حينما قال ” لسنا في حالة حرب فقط لدعم الأوكرانيين، نحن في الأساس في حالة حرب مع روسيا، وإن كانت تشن بالوكالة، ومن المهم أن نفوز “، بعدما صرح متحدث باسم البيت الأبيض، أندرو بيتس، بأن البيت الأبيض لا يشارك مولتون وجهة نظره، وأن الرئيس بايدن أوضح أن القوات الأمريكية لا ولن تشارك في صراع مع روسيا، وأن الولايات المتحدة تدعم دفاع الشعب الأوكراني عن بلده. الموقف نفسه أكدته جين ساكي السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض للصحفيين أن الحرب الأوكرانية ” ليست حربا بالوكالة، هذه حرب بين روسيا وأوكرانيا، كما أن حلف الناتو غير متورط، والولايات المتحدة لا تخوض هذه الحرب”.

وحتى الدعم الأمريكي نفسه اقتصر تقريبا على الأسلحة الدفاعية، وهي كفيلة لتحقيق الهدف المعلن وهو ” ردع روسيا “وجعلها تتكبد خسائر اقتصادية وعسكرية وبشرية تعجزها عن تكرار هذا التصرف مرة أخرى، بدون استثارة غضب روسيا في الوقت نفسه،فهل من دولة تريد انتصار في حرب بالوكالة هي من تحركها ولا تدعم الطرف الموكل بذلك بأسلحة هجومية ؟، وكل ذلك يصب في مصلحة وجهة نظر معينة، مؤداها أن واشنطن تعمل على خطة طويلة المدى بعض الشئ للقضاء على عناصر القوة لدى موسكو، وهو في حد ذاته خسارة للأخيرة، وإن كانت واشنطن تريد تحقيق مجرد هزيمة عسكرية حالية لروسيا، لدعمت أوكرانيا هجوميا وحظرت الأجواء، ولكن في هذه الحالة حتى إن خسرت روسيا الحرب سريعا، ستستطيع الاستفاقة مرة أخرى.

خلاصة القول، أنه بالنظر إلى مفهوم الحرب بالوكالة، والحروب بالوكالة التي قادتها دول كبرى على مر التاريخ، فلا يمكن الجزم بأن هناك دولة ما في القرن الحادي والعشرين تقبل بأن تمول من قبل دولة أخرى للقتال بدلا عنها على أراضيها، ومن أجل تحقيق نصر غير مضمون بدافع المصلحة فقط، وهو نفسه ما ينطبق على الولايات المتحدة في الحرب الأوكرانية، التي تسعي إلى مساعدة أوكرانيا من باب الحرج أمام الرأي العام العالمي بعد الانسحاب غير المحسوب من أفغانستان، خاصة بعد أن شجعتها على قرار دخول الناتو الذي كان سببا في الهجوم الروسي عليها، ومن باب إنهاء القوة الروسية، التي إن نجحت في أوكرانيا قد لا تكتفي بها، كما سيؤثر ذلك أيضا على التوازنات الدولية الراسخة منذ نهاية الحرب الباردة بوقف صعود روسيا، إضافة إلى أهداف اقتصادية وهى إحلال الغاز والسلع الأمريكية محل الغاز والسلع الروسية خاصة في أوروبا.

 

وردة عبد الرازق

باحثة في الشئون الأوروبية و الأمريكية، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، جامعة بنى سويف، الباحثة مهتمة بدارسة الشأن التركي ومتابعة لتفاعلاته الداخلية والخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى