تأثير نتائج الانتخابات المحلية البريطانية في مستقبل جونسون

تكبد حزب المحافظين البريطاني خسائر واضحة في الانتخابات المحلية التي أجريت في أوائل الشهر الجاري، بعدما خسر عدد كبير من المقاعد في مجالس رئيسية عدت ضمن معاقل حزب المحافظين منذ عقود، وبالتالي كانت نتائج هذه الانتخابات مثيرة للاهتمام في الداخل البريطاني وخارجه، مما أثار العديد من علامات الاستفهام حول مستقبل بوريس جونسون، وحزب المحافظين نفسه في المرحلة القادمة في قيادة بريطانيا، خاصة وأنها ليست الضربة الأولي التي وجهت للمحافظين.

وعليه، يناقش هذا التحليل أهم ما أسفرت عنه الانتخابات البريطانية المحلية، وأهم العوامل التي قد تكون أسهمت في هذه الخسارة للمحافظين، مع توضيح مدى تأثير هذه النتائج التي تعتبر ضمن هزات متتالية تعرض لها بوريس جونسون وحزبه في الآونة الأخيرة.

مقدمات سابقة:

حققت المعارضة البريطانية بقيادة حزب العمال انتصارا لافتا في الانتخابات المحلية التي أجريت مؤخرا، وفي مناطق كانت معروفة منذ أكثر من خمسين عاما بأنها إحدى المعاقل الرئيسية لحزب المحافظين داخل العاصمة لندن، وخسر فيها حزب المحافظين حوالي ١١ مجلسا محليا، يأتي علي رأسها مجلس ويستمنستر في لندن، الأمر الذي قد يجد مرده في عدة أسباب، من ضمنها:

(*) قضية حفلات داونينج ستريت: حيث واجه، ولا زال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وبعض من أعضاء حكومته اتهامات باختراق القوانين، بعدما تجاوز قواعد الحجر الصحي الذي كان مفروضا في بريطانيا خلال فترة تفشي فيروس كورونا، بعدما حضر عدد من الاحتفالات رفقة مسئولين حكوميين في مقر الحكومة، مما أثار حفيظة الرأي العام الداخلي، الذي اعتبر تصرف جونسون خالي من المسئولية ومخالفا للقوانين، مما دفع المعارضة البريطانية إلى مطالبة جونسون بالاستقالة أو الإقالة في البرلمان، وازداد الأمر تعقيدا بعدما انضم عدد من الأعضاء المحافظين لتلك المطالبات، وحتى الآن مستمرة المحادثات في البرلمان البريطاني في هذا الشأن، وعملية جمع التوقيعات المطلوبة لإقالة جونسون. وعلى الجانب الآخر، هناك فئة من المؤيدين ممن يرون ضرورة إعطائه فرصة أخرى بعدما قدم اعتذاره حفاظا على الاستقرار، وتم توقيع غرامات بعد ذلك على جونسون ووزير خزانته، ولكن الأمر ترك أثره بالتأكيد على شعبية جونسون وحزبه، وهو ما تجلى بوضوح في الانتخابات المحلية.

(*) الأزمة المعيشية: حيث يواجه جونسون العديد من الأزمات الداخلية التي تؤرق الجمهور والحكومة، بعد موجه غلاء الأسعار والتضخم غير المسبوق منذ ١٥ عاما، وبالأخص أسعار السلع الغذائية والزيوت بسبب الحرب الأوكرانية، وأيضا الوقود بعد الموقف البريطاني من الحرب الذي زاد الأمر سوءا بالنسبة لأسعار الوقود، بعدما أعلنت بريطانيا وقف استيرادها للنفط والفحم الروسيين بنهاية العام الحالي، كما أعلنت عن عزمها وقف إمدادات الغاز الروسي في أقرب وقت، وفق ما أعلنته وزيرة الخارجية البريطانية ليزا تراس، وهي خطوة جاءت في سياق الموقف الأمريكي تماما، كما حذرت الحكومة المواطنين بالاستعداد للأسوأ، وهو ما صعب الأمر على المواطنين.

(*) الانتخابات التشريعية الفرعية: كما خسر حزب المحافظين الانتخابات التشريعية الفرعية في منتصف ديسمبر الماضي لأحد معاقله في دائرة نورث شروبشير، والتي أعلن جونسون مسئوليته عن خسارتها،بعدما أسفر الاقتراع عن فوز مرشحة الحزبالليبرالي الديمقراطي هيلين مورغن بالمقعد النيابي عن دائرة نورث شروبشير بعدما حصلت على ٤٧٪ من الأصوات متقدمة على منافسها الذي رشحه حزب المحافظين.

هذا فضلا عن أزمة تجديد شقة بوريس جونسون التي أثارت جدلا كبيرا منذ أشهر، والتي كلف تجديدها دافعي الضرائب ٢٨ ألف جنيه إسترليني، وطريقة تعامل الحكومة البريطانية مع فيروس كورونا، وتراجع والثقة والمصداقية الممنوحة للحكومة، وعلى إثر ذلك واجهت الحكومة صعوبة في إقناع المواطنين بالالتزام بقواعد الإغلاق لاحتواء فيروس كورونا ومتحوراته، وهو ما أثار سخط البريطانيين لمخالفة جونسون نفسه وحكومته للقوانين التي وضعوها بإقامة الحفلات، وأيضا انتقاد البعض لعدم وضوح دور الحكومة في الداخل والخارج بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، كل هذا ساهم في تراجع شعبية جونسون وحكومته.

صدمة أخرى:

في أماكن أخرى من البلاد، شهدت الانتخابات البرلمانية في إيرلندا الشمالية ( لأن المملكة المتحدة هي دولة اتحادية تتكون من أربعة أقاليم، هي إنجلترا إيرلندا الشمالية وإسكتلندا وويلز ) فوزا تاريخيا، هو الأول من نوعه لحزب ” شين فين ” المؤيد لإجراء استفتاء شعبي حول استقلال إيرلندا الشمالية عن التاج البريطاني، وتوحيد الجزيرة الأيرلندية، وهي خطوة إن تمت قد تزلزل المملكة المتحدة بأكملها، ومستقبل حزب المحافظين أيضا، بعد الانقسامات التي ستشهدها هذه المنطقة عقب هذه النتائج، نتيجة لتعهد الحزب المؤيد للوحدة مع التاج البريطاني بعرقلة تشكيل الحكومة، ورغم أن الاستطلاعات التي أجريت في هذا الشأن لا تشير إلى أغلبية تؤيد الانفصال، إلا أن الآثار السلبية للبريكست على الاقتصاد والتحولات السياسية في إيرلندا الشمالية قد تغير من توجهات الرأي العام في هذا الشأن، بالتزامن مع التخطيط لاستفتاء الوحدة من قبل رئيس حزب ” شين فين ” الذي أعلن أن هذه الخطوة تستغرق ٥ سنوات.

كما أظهرت نتائج الانتخابات المحلية زيادة في قوة الحزب الوطني الأسكتلندي والأصوات التي حصل عليها، والذي مازال يحمل على عاتقه قضية استقلال إسكتلندا أيضا عن التاج البريطاني، بعد أن ازداد عدد مقاعده إلى ٢٢ مقعدا، مقابل خسارة المحافظين لحوالي ٦٣ مقعدا في المجالس المحلية في إسكتلندا.

مستقبل على المحك:

بالنظر إلى الأوضاع الداخلية في بريطانيا، وبعد نتائج الانتخابات المحلية، تتزايد احتمالات تأثير ذلك على مستقبل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون خلال الفترة المقبلة، وبدت ثمة صعوبة في استمراره على رأس منصبه لولاية جديدة، وأن يتم انتخابه من قبل حزبه مرة أخرى،لأن هذه النتائج السيئة تضعف من رئيس الحكومة، ما يدفع النواب المحافظين القلقين مع اقتراب الانتخابات التشريعية في ٢٠٢٤ إلى التشكيك في جدوى الاستمرار في دعمه، بعد أن تسببت فترته في حرج سياسي كبير لحزب المحافظين، مما دفع البعض للانضمام إلى مطالبات سحب الثقة عنه، حتى وإن نجح في تجاوز المطالبات باستقالته، ما لم يجد جديد يشفع لجونسون وحكومته أمام المواطنين خلال الفترة المقبلة.

بل الأدهى من ذلك، فإن مستقبل حزب المحافظين نفسه أصبح على المحك، بعد أن أصبح مهددا بشكل كبير باحتمالية خسارة الانتخابات البرلمانية القادمة في ٢٠٢٤، وبالتالي الأغلبية البرلمانية التي تخوله اختيار رئيس الوزراء. ووفقا للتحليلات التي أجرتها وسائل إعلام بريطانية، فإن التحول في أنماط التصويت لدى المواطنين في الانتخابات المحلية، ونسبة الأصوات التي حصل عليها كل حزب، قد تكون مؤشرا على ما ستؤول إليه نتائج الانتخابات العامة في ٢٠٢٤، وذلك بعد حصول حزب العمال المعارض على نسبة ٣٥ ٪، مقابل ٣٠ ٪ لصالح حزب المحافظين، في حين حصل حزب الديمقراطيين الليبراليين على ١٩ ٪ من الأصوات، وإذا أخدنا هذه النتائج في الاعتبار، فإن حزب العمال قد يفوز بالأغلبية البرلمانية في الانتخابات المقبلة، وبالتالي سيقود كير ستارمر ( زعيم حزب العمال ) الحكومة المقبلة.

وبغض النظر عن تأثير الأوضاع المعيشية ونتائج الانتخابات في لندن على مستقبل حزب المحافظين وجونسون، إلا أن نتائج الانتخابات المحلية عكست تحديا كبيرا للوحدة البريطانية نفسها، ففي عهد جونسون والمحافظين حقق حزب ” شين فين ” أول انتصار تاريخي من شأنه أن يهدد وحدة واستقرار المملكة، والأمر نفسه بالنسبة لإسكتلندا، وهي هزات لم تتعرض لها المملكة المتحدة من قبل، ورغم أن تنظيم استفتاء فعلي في إيرلاندا الشمالية بشأن الانفصال هو أمر صعب لأنه يتطلب موافقة الحكومة، إلا أن الحدث نفسه سيخلق انطباعا سلبيا لدى الجمهور عن حزب المحافظين، أو استمرار جونسون على الأقل.

واختصارا، فإن أمام جونسون وحزب المحافظين مهمة صعبة للغاية، ولكنها ضرورية، لكسب ثقة البريطانيين مرة أخرى، من خلال التقدم بوعود جدية ومغرية اعتذارا على الفترة السابقة، وفي نفس الوقت شاملة وتهم جميع البريطانيين في كافة أنحاء المملكة، وألا تأتي في صالح منطقة على حساب الأخرى، وهذا ليس فقط للحفاظ على جونسون على رأس عمله، بل في الوقت نفسه إنقاذا للمحافظين بعد أن أصبحت أغلبيتهم على المحك، ووحدة المملكة المتحدة نفسها المهددة بسبب تصاعد نفوذ الأحزاب ذات المطالب الانفصالية.

 

 

 

 

 

وردة عبد الرازق

باحثة في الشئون الأوروبية و الأمريكية، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، جامعة بنى سويف، الباحثة مهتمة بدارسة الشأن التركي ومتابعة لتفاعلاته الداخلية والخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى