تعزيز التعاون: لماذا وقعت “واشنطن” و”باريس” اتفاقية مكافحة الإرهاب؟

يشير التقارب الأمريكي الفرنسي في مكافحة الإرهاب، والذي انتهى بعقد اتفاقية بين الطرفين- إلى عدة دلالات، لعل أبرزها تصاعد حدة العنف، المرتبط بزيادة معدل الهجمات الإرهابية في العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم، خاصة إفريقيا جنوب الصحراء، التي أصبحت اليوم موطئ قدم للعديد من الجماعات والمليشيات المسلحة.

ولعل قيام كل من وزيرة الجيوش الفرنسية “فلورنس بارلي” مع نظيرها الأمريكي “لويد أوستنفي” بإبرام خارطة طريق جديدة للتعاون بين القوات الخاصة للبلدين في 9 يوليو الجاري في واشنطن، بهدف تعزيز الجهود الدولية في الحرب على الجهاديين، حيث تأتي تلك الاتفاقية في الوقت الذي تنسحب فيه القوات الأمريكية من أفغانستان بحلول أغسطس القادم، فضلاً عن قيام فرنسا بتقليص وجودها في منطقة الساحل الإفريقي.

كما أن عدم تحديد نص الاتفاق بمنطقة بعينها، يؤكد أن التعاون المحتمل بين البلدين في مكافحة الإرهاب، سيكون شامل ولا يقتصر على منطقة بعينها، وقد يكون بداية التنسيق في المنطقة الإفريقية، التي تعتبر المنطقة الأسوأ أداءً في محاربة الإرهاب على مستوى العالم، مما يدل على عدم إحراز قيادة العمليات الخاصة الأمريكية في إفريقيا أي تقدم ملحوظ في إضعاف البنية الأساسية للجماعات الإرهابية والحد من أنشطتها المتصاعدة.

تأسيسا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى إلقاء الضوء على دلالات توقيع الاتفاقية الأمريكية الفرنسية لمكافحة الإرهاب في العالم، فضلاً عن فشل الجهود الأمريكية الفرنسية في التصدي للإرهاب في السنوات الأخيرة، متطرقاُ إلى التحالف الدولي “تاكوبا” كتحالف أوروبي لمواجهة الإرهاب.

تعزيز التعاون الأمريكي الفرنسي:

قام المتحدث باسم البنتاغون الكولونيل “أنتون سيميلروث” بوصف خارطة طريق التعاون بين القوات الخاصة للبلدين، بأنها بيان نوايا لتوسيع التعاون بين الجانبين الأمريكي والفرنسي في كل مجالات، كما كتبت بارلي على تويتر بعد التوقيع على الاتفاقية، بأن التوقيع مع لويد أوستن على اتفاقية لتعزيز تعاون القوات الخاصة الأمريكية والفرنسية في مواجهة الإرهاب يعد تطوير للقوات، بالإضافة إلى اعتباره أخوة حقيقية في السلاح، وفي هذا السياق شددت أيضاً على أن هذه الاتفاقية سيكون لها دور كبير في تعميق الروابط الاستثنائية التي تم نسجها بين البلدين. وفي سياق متصل، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن في 8 يوليو الجاري، بأن أطول حرب تخوضها الولايات المتحدة ستنتهي في القريب العاجل، في إشارة منه على الانسحاب النهائي للقوات الأمريكية من أفغانستان بحلول 31 أغسطس _كما تم الإشارة سابقا_، من ناحيته، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الـ 9 من يوليو الجاري، بأن بلاده ستبدأ بإغلاق قواعد لها في شمال مالي في النصف الثاني من العام 2021 في إطار التخفيض المعلن لوجودها العسكري في منطقة الساحل الإفريقي، بيد أن واشنطن وباريس لا تريدان التخلي عن جهودهما في مجال مكافحة الإرهاب.

تراجعات مُتشابهة:

بالرغم من الجهود الفرنسية والأمريكية في محاربة الإرهاب في العديد من مناطق العالم، وخاصة في منطقة الساحل الإفريقي كونها المنطقة الأشد خطورة، والتي تمثل بؤرة ساخنة للجهاديين، فقد تزايد حجم الهجمات الإرهابية، حيث تشير الإحصاءات ذات الصلة إلى تزايد الهجمات الإرهابية في إقليم الساحل الإفريقي، فضلًا عن تزايد أعداد الضحايا في إطار هذه الهجمات بنحو خمسة أضعاف خلال الأربع سنوات الماضية، وذلك طبقًا لتقارير الأمم المتحدة، حيث إن العمليات الإرهابية التي نفذتها الجماعات الإرهابية في الساحل والصحراء قد ارتفعت من 90 عملية في عام 2016 إلى 194 عملية في عام 2017، ثم تزايد هذا العدد بشدة خلال عام 2018 حتى وصل إلى 465 عملية إرهابية راح ضحيتها المئات من المواطنين الأبرياء.

وبالرغم من عدم وجود حصر دقيق لأعداد العمليات التي شهدها الإقليم خلال عام 2019، إلا أن التحليلات تشير إلى اتجاه الهجمات نحو المزيد من التزايد والتصعيد مقارنة بالأعوام السابقة، ومن ناحية أخرى، فقد تزايد عدد ضحايا هذه الهجمات من 770 حالة وفاة نتيجة الهجمات الإرهابية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو عام 2016 إلى نحو 4000 حالة عام 2019 .

ليس هذا فحسب، بل إن نحو 34% من الهجمات الإرهابية في إقليم الساحل قد استهدفت المدنيين بالأساس، حيث زاد عدد الهجمات التي تستهدف المدنيين من 18 عملية عام 2016 إلى 39 عملية عام 2017 ثم إلى 160 عملية عام 2018، ولقد استطاع تنظيم “داعش” الإرهابي بالساحل الإفريقي توسيع عملياته في النصف الأول من عام 2019، لتشمل 7 دول بالساحل، وصولًا إلى بحيرة تشاد، ويتزايد هذا التمدد العنيف رغم الجهود الدولية والإقليمية التي تقودها فرنسا، والتي تضم 20 دولة، بالإضافة لنشاط القوات الخاصة الأمريكية بالنيجر، وبعثة الأمم المتحدة المكونة من 15 ألف جندي.

وتأتي هذه الموجة العنيفة من الهجمات الإرهابية لتضع العديد من علامات الاستفهام حول سياسة مواجهة الإرهاب بالساحل، ذلك أن تصاعد هجمات الجماعات الإرهابية يعد مؤشرًا على أن إمكانية مكافحة الإرهاب استنادًا إلى الآليات والعمليات الحالية، قد باتت مسألةً محلَّ شكٍّ، خاصة في ظل عدم نجاح جهود قوات “برخان”، ولا جيوش منطقة الساحل السبعة، في هزيمة الإرهاب أو حتى إضعافه في الإقليم .

بالرغم من الدعم المادي والوجود العسكري المكثف لفرنسا والمساعدة الأمريكية، وغيرها من القوى الدولية النشطة في منطقة الساحل لتحقيق الاستقرار، فقد شهدت المنطقة تصاعدًا في أعمال العنف على نحو ما سبقت الإشارة إليه، وقد أظهر استطلاع للرأي تم إجراؤه من قبل المعهد الفرنسي للرأي العام في أوائل يناير 2021، أن 51٪ من الفرنسيين فقدوا دعمهم للتدخل العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، وهو ما قد يشير إلى أن الحكومة الفرنسية تواجه أدنى مستوى للدعم الشعبي منذ أن بدأت حملتها في الساحل منذ ما يقرب من ثماني سنوات.

التحالف الدولي “تاكوبا”:

صرحت “بارلي” عقب زيارتها للبنتاغون عن قوة “تاكوبا”، باعتبارها وحدة تضم قوات خاصة أوروبية مسئولة عن مواكبة الجيش المالي في القتال ضد الجهاديين، حيث تعتبرها مثالا استثنائيا وملموسا للتعاون المستقبلي بين الجانبين الأمريكي والفرنسي، كما أشارت إلى أنها قد حققت بالفعل نجاحات كبيرة في مواجهة الإرهاب، أضافت أيضاً أن دعم الولايات المتحدة للعمليات الفرنسية في منطقة الساحل الإفريقي أمر في منتهى الأهمية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن قبل البدء بالمحادثات، قام “أوستن” بوصف فرنسا بأنها “الشريك المثالي” في المحيطين الهندي والهادئ للولايات المتحدة الأمريكية، حيث تحاول واشنطن بناء شراكات أقوى لمواجهة الصين.

في النهاية، يمكن القول إن تتعدد أذرع وفروع الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء العالم وتشمل هذه الجماعات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في ليبيا والجزائر ونيجيريا والجماعات الموالية لها في تونس والمغرب، والصومال، وكينيا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وجنوب إفريقيا، ودول الساحل، وكذلك تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وحركة الشباب في شرق إفريقيا، ونتيجة لعدم قدرة القوات الخاصة لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا حتى الآن في مواجهة الإرهاب، تمت المطالبة بتوجيه الأموال المخصصة للكوماندوز الأمريكيين في إفريقيا من أجل إنفاقها بشكل أكثر فاعلية في مجالات المساعدات الإنسانية والتنمية الاقتصادية، خاصةً في البلدان التي يتزايد فيها خطر العنف المتطرف، ومن ثم هنالك العديد من الآمال التي تتعلق بجدوى خارطة الطريق التي تم إبرامها مؤخراً بين الجانبين الأمريكي والفرنسي، فضلاً عن التحالف الدولي “تاكوبا” حتى يحققوا الأمل المرجو بمكافحة الإرهاب، وانتشال أذرعه.

 

نداء السيد حسن محمد

نائب رئيس وحدة دراسات الأمن الإقليمي . حاصلة على بكالوريوس العلوم السياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، ودبلومه في الدراسات الأفريقية، وماجستير العلوم السياسية من جامعة القاهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى