” فيلتمان” في جولة جديدة.. هل تتمكن ” واشنطن” من حل أزمة سد النهضة؟

بدأ المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان جولة جديدة في الشرق الأوسط وأفريقيا، تشمل كل من قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وكينيا في الفترة من 31 مايو إلى 6 يونيو، تتركز تلك الزيارة حول إجراء محادثات حول القضايا الأخيرة في منطقة القرن الأفريقي، بما في ذلك سد النهضة الإثيوبي، وذلك استكمالاً للجهود الدبلوماسية التي بدأها في الجولة الأولى أثناء زيارته لمصر وإريتريا وأثيوبيا والسودان، خلال شهر مايو الماضي، انطلاقاً من رؤية الإدارة الأمريكية الجديدة حول ضرورة التعامل مع الأوضاع الراهنة في منطقة القرن الأفريقي لأن استمرارها يشكل تهديداً لأمن واحدة من أكثر المناطق أهمية واستراتيجية، إلى جانب ذلك تحاول واشنطن توظيف ثقل دول الخليج خاصة السعودية والإمارات اللتان تعتبران من أكثر الدول الخليجية تأثيرا في منطقة القرن الأفريقي لما لهما من استثمارات ومصالح هائلة في تلك المنطقة.

وفي سياق ذلك يسعى هذا التحليل إلى تسليط الضوء على، أبرز الأهداف الأمريكية وراء الجولات المكوكية للمبعوث الأمريكي “جيفري فيلتمان” وكيف تسعى واشنطن نحو الاستفادة من تحالفاتها الإقليمية من أجل خلق وساطات جديدة قد تساهم في حلحلة أزمة السد، وهل ستنجح تلك الجهود الأمريكية أم لا.

دلالات جولات المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي:

شملت مهمة المبعوث الأمريكي للقرن الأفريقي “جيفري فيلتمان” ثلاثة أهداف رئيسية، يمكن تناولها على النحو التالي:

(*) دعم استقرار منطقة القرن الأفريقي: التأكيد على التزام الولايات المتحدة بمعالجة الأزمات الإقليمية المترابطة ودعم القرن الأفريقي المزدهر والمستقر، وفي سياق ذلك التقى المبعوث الخاص فيلتمان مع كبار المسئولين في عدد من دول المنطقة لمناقشة النهج التعاونية لدعم استقرار وازدهار القرن الأفريقي، بما في ذلك حل النزاع حول سد النهضة الإثيوبي الكبير الذي يكون مقبولاً لجميع الأطراف.

(*) التغلب على انحصار دور القوى العظمى: على الرغم من أن المبعوث الأمريكي للقرن الأفريقي “جيفري فيلتمان”، يناقش حاليًا أزمة السد في جولة إقليمية، إلا أن الرئيس جو بايدن لم يلزم الولايات المتحدة صراحة بلعب دور الوساطة، كما أن الاتحاد الأوروبي حصر دوره في نزاع السد من خلال آلية التشاور مع الجهات الإقليمية، مثل مصر وإثيوبيا والسعودية، بينما تصر روسيا على أن الاتحاد الأفريقي هو الآلية الوحيدة لحل الخلافات بشأن السد.

(*) تنشيط دور كينيا: تركز سياسة الولايات المتحدة في المنطقة بشكل أساسي على تهميش الصين في القارة عن طريق الاعتماد بشكل أكبر على تحالفاتها في الشرق الأوسط والسعي لإعادة تشكيل موازين القوى من خلال إعطاء القيادة لكينيا، بدلاً من التورط في انخراط أمريكي طويل الأمد.

مواقف مغايرة من أزمة سد النهضة:

يمكن تتبع تطورات موقف الدول الأربعة ضمن جولة المبعوث الأمريكي للقرن الأفريقي من سد النهضة، في النقاط التالية:

(&) موقف سعودي واضح وداعم: في 30 مارس أعربت المملكة العربية السعودية عن تضامنها الكامل مع مصر والسودان في الحفاظ على أمنها الوطني والمائي وحماية مصالح شعبها وحقها المشروع في الحياة، ودعمها لجهودهما لحماية حصصهما من مياه نهر النيل، مؤكدة أن أمنهما المائي جزء لا يتجزأ من أمن المنطقة العربية، وأشارت المملكة في بيان نقلته وكالة الأنباء السعودية، إنها تدعم جميع المساعي الهادفة إلى حل نزاع السد الإثيوبي وخدمة مصالح جميع الأطراف المعنية، كما دعت إلى استمرار المفاوضات بحسن نية للتوصل إلى اتفاق عادل وملزم يخدم مصلحة جميع الأطراف المتنازعة ويحمي الحقوق المائية لجميع دول حوض النيل في أقرب وقت ممكن بما يتماشى مع القانون الدولي والأعراف الأساسية.

(&) الموقف الإماراتي: اقتربت دولة الإمارات العربية في موقفها من موقف المملكة العربية السعودية التي أكدت دعمها الصريح لمصر، على سبيل المثال أصدرت بيانًا في 31 مارس دعت فيه إلى أهمية العمل من خلال القوانين والمعايير الدولية المعمول بها للوصول إلى حل مقبول للجميع ويضمن الحقوق والأمن المائي من البلدان الثلاثة، كذلك مع تصاعد أزمة سد النهضة، أعلنت الإمارات في 1 أبريل إرسال مساعدات إلى منطقة تيجراي في إثيوبيا، حيث أشار سفير الإمارات في أديس أبابا محمد الرشيدي إلى أن المساعدة تأتي في إطار العلاقات القوية مع إثيوبيا، إلى جانب ذلك على الرغم من أن الإمارات أشارت في 26 مارس إنها مستعدة للتوسط بين السودان وإثيوبيا لحل الأزمة الحدودية المتنازع عليها بين البلدين بالإضافة إلى أزمة سد النهضة ، إلا أن وزارة الخارجية الإثيوبية نفت في 31 مارس أن تشمل وساطة الإمارات سد النهضة، وأكدت أنها تتعلق فقط بأزمة الحدود الإثيوبية السودانية.

(&) تغير الموقف القطري: في 2017، واصل النظام القطري دوره في تمويل وتحريض إثيوبيا والسودان على تصعيد الأزمة مع مصر من خلال عقد اجتماعات رفيعة المستوى مع رئيس الوزراء الإثيوبي ووزير الدفاع، وكذلك الرئيس السوداني والمسئولين السودانيين، على سبيل المثال توجه رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريم ديسالين إلى الدوحة يوم 14 نوفمبر2017 مباشرة بعد فشل اجتماع اللجنة الوطنية الثلاثية في القاهرة في الموافقة على تقرير الدراسات الأولية حول التأثير الإقليمي لسد النهضة، كما زار أمير قطر أثيوبيا في إبريل من نفس العام لدوحة معلناً عن ضخ استثمارات كبيرة لتمويل سد النهضة، تشمل زراعة مليون و200 ألف فدان في منطقة السد، لكن في الوقت الراهن منذ التوقيع على إعلان العلا في يناير لإنهاء الخلاف القطري رسميًا مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر، كان التقارب المصري القطري من بين الأسرع تطورًا، وفي غضون أسبوعين من توقيع الاتفاقية ، أعلنت وزارة الخارجية المصرية أن القاهرة والدوحة اتفقتا رسميًا على استئناف العلاقات الدبلوماسية، و بحلول أوائل مارس، كان وزراء خارجية البلدين قد اجتمعوا في القاهرة على هامش اجتماع جامعة الدول العربية، وتناولت مباحثات وزير الخارجية بحث سبل دفع آليات العمل العربي المشترك في مواجهة التحديات التي يشهدها المحيط العربي والإقليمي لا سيما في ضوء رئاسة دولة قطر لمجلس جامعة الدول العربية، فضلاً عن مناقشة مواقف البلدين إزاء أهم القضايا الإقليمية بما في ذلك تطورات ملف سد النهضة الإثيوبي.

(&) موقف كيني متردد: على الرغم من دعم كينيا الصريح للحكومة الفدرالية الإثيوبية في عمليتها العسكرية في إقليم تيجراي، أملاً في تسريع وتيرة التكامل الاقتصادي بين البلدين من خلال تدشين عدد من المشروعات التي من شأنها ربط إثيوبيا بكينيا عبر شبكة من الطرق والسكك الحديدية، إلا أنها أعربت عن تعاطفها المؤكد مع المشاكل التي قد يسببها سد النهضة الإثيوبي الكبير على النيل الأزرق للسودان ومصر، وفي سياق ذلك تحاول مصر كسب تأييد كينيا لموقفها من سد النهضة لاسيما و أن كينيا ممثلة إفريقيا في مجلس الأمن الدولي، حيث تدرس مصر خيار رفع قضية السد رسمياً إلى الأمم المتحدة.

مساعي أمريكية نحو توظيف وساطات جديدة:

رغم الوساطة الدولية والأممية والتي كان آخرها من الاتحاد الإفريقي، إلا أن جميع المقترحات فشلت أمام التعنت الإثيوبي، وبالتزامن مع ذلك تحاول واشنطن الاعتماد على شركاءها في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي وخلق وساطات جديدة، على النحو التالي:

  • وساطة سعودية جادة: يبدو أن لدى المملكة العربية السعودية رغبة جادة في المساعدة في التوصل إلى اتفاق، ولديها المؤهلات للعب دور في المحادثات كما تمتلك أدوات ضغط يمكنها أن تؤتي ثمارها في عملية الوساطة المحتملة، فهي لديها استثمارات كبيرة في إثيوبيا خاصة في القطاع الزراعي وهذه الاستثمارات، إلى جانب العلاقات الوثيقة بين البلدين، يمكن أن تستخدمها المملكة للضغط على إثيوبيا، وفي سياق ذلك تصدرت قضية سد النهضة المناقشات بين وزير الخارجية الإثيوبي ديميكي ميكونين وسفير المملكة العربية السعودية لدى أديس أبابا سامي عبد الله في مارس 2021، بينما في فبراير أشار وزير الدولة السعودي للشؤون الإفريقية أحمد عبد العزيز قطان لوسائل الإعلام إن المملكة ترغب في رؤية نهاية لأزمة السد، مسلطاً الضوء على الدعم السعودي للأمن المائي للدول العربية، وأشار إلى إعلان المملكة العربية السعودية في وقت لاحق عن انعقاد قمة لمجلس الدول العربية والأفريقية على البحر الأحمر وخليج عدن، لتأمين الممرات المائية لهذه المناطق.
  • قطر وسيط موثوق: تعتبر قطر في وضع جيد للقيام بدور أكثر نشاطًا في أزمة سد النهضة بطرق قد تكون مفيدة لمصر والاستقرار الإقليمي، فبالإضافة إلى أنشطتها الاستثمارية في مصر، تمتلك قطر استثمارات كبيرة في كل من إثيوبيا والسودان، حيث تتألف استثماراتها السودانية من حوالي 3.8 مليار دولار، كما تمتلك قطر الأدوات اللازمة للاضطلاع بذلك الدور، فهي تتمتع بأنها وسيط موثوق فيه لكل أطراف الأزمة، كما أن لديها تاريخ مشترك من التعاون مع مصر والسودان في عدد من الأزمات، وبالتالي يمكن أن تساعد الدوحة في تهدئة التوترات المتصاعدة بين الحكومة الإثيوبية التي تمضي بحزم إلى الأمام مع سد النهضة ، والقيادة المصرية والسودانية ، اللتين يؤجج خطابهما ومعارضتهما مخاوف من احتمال نشوب صراع في نهاية المطاف.
  • الإمارات وتفعيل دبلوماسية الأزمات: في 26 مارس، عرضت الإمارات رسميًا التوسط في نزاع السد، ويعكس عرض الإمارات للتوسط بين الأطراف المتصارعة في نزاع السد التزامها بأمن البحر الأحمر واعتمادها المتزايد على دبلوماسية الأزمات كأداة لإبراز القوة وتوسيع نفوذها الدولي ورغبتها في ملء الفراغ الدبلوماسي بشأن السد الناجم عن المواقف المنفصلة للقوى العظمى والتحيزات المتصورة لأصحاب المصلحة الإقليميين، وترى الإمارات أن وساطتها في الصراع بين السودان وإثيوبيا، والتحكيم المسبق بين إثيوبيا وإريتريا، بالإضافة إلى علاقاتها الوثيقة مع جميع الأطراف المتصارعة في نزاع السد- من الأصول الرئيسية التي قد تسهل من مهمتها وتحقيق اختراق دبلوماسي في نزاع السد. على سبيل المثال تقدمت شراكة الإمارات مع مصر بشكل مطرد منذ تولي السيسي السلطة في يوليو 2013، كما حسنت الإمارات صورتها في السودان وإثيوبيا من خلال استخدام المساعدات الإنسانية والمساعدات التنموية، فمنذ أوائل مارس قدمت دولة الإمارات العربية المتحدة مساعدات إنسانية للمناطق المتضررة من الفيضانات في السودان، وافتتحت مستشفى الشيخ محمد بن زايد الميداني لعلاج كوفيد-19 في دارفور، وأرسلت وفد غرفة تجارة وصناعة دبي إلى إثيوبيا لإجراء مناقشات حول عدد من مشاريع البنية التحتية الجديدة.
  • فتح الطريق أمام وساطة كينية محتملة: من المحتمل ظهور وساطة كينية خلال المرحلة القادمة، قد تؤدي إلى خلق نوع من التوازن الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي، لكنها لن تتمكن من التحرك الفعال دون مساندة أمريكية، وذلك بالنظر إلى تداخل المصالح وتشابكها بين كينيا وإثيوبيا من جهة، وبين مصر من جهة أخرى.

خلاصة القول، تسعى الولايات المتحدة الأمريكية من خلال جولات المبعوث الخاص بالقرن الأفريقي، بالإضافة إلى زيارة وزير الخارجية الأمريكي لأول مرة إلى مصر، إلى بعث رسالة مفاداها تأكيد التزام إدارة بايدن ببذل الجهود الدبلوماسية المتواصلة لمعالجة الأزمات المتداخلة لمنطقة القرن الأفريقي وفي مقدمتها قضية سد النهضة والنزاع الإثيوبي الداخلي في إقليم تيجراي والتدخل العسكري الإريتري لصالح الحكومة الإثيوبية في الإقليم، الأمر الذي يعكس الاهتمام الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط والقرن الأفريقي وتدعيم استقرارها كأولوية قصوى في الاستراتيجية الأمريكية، بالإضافة إلى أهمية المحافظة على أمن مصر المائي بالنظر إلى دورها المحوري في ملفات المنطقة، لاسيما بعد الدور الكبير الذي قامت به مصر في وقف العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وبالنظر  إلى المساعي الأمريكية في توظيف وساطات جديدة وعلى الرغم من آن يمكن اعتبارها مبادرات دبلوماسية ذات أهمية قد تضع الملف في بؤرة الآمال بالوصول إلى حلول سلمية للأزمة، إلا أن فرص نجاح الوساطة القطرية تبدو هي الأقرب للتحقق على الرغم من أنها لم تعلن حتى الآن عن آليات للتدخل المحتمل، ويرجع ذلك إلى أن دعم السعودية لموقف مصر والسودان يضعف مصداقية عرض الوساطة السعودية، كما أن الجهود الإماراتية تواجه صراعًا شاقًا لتحقيق اختراق دبلوماسي كبير بشأن السد، بسبب إن احتمال قبول السودان ومصر للوساطة الإماراتية أكبر بكثير من إثيوبيا، بالإضافة إلى مزاعم رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد الأخيرة بأن مصر والسودان يؤججان العنف في منطقة بني شنقول جومز بغرب إثيوبيا، والتي يوجد بها السد، التي تزيد من تعقيد جهود الوساطة الإماراتية، وأخيراً محدودة دور الوساطة الكينية.

سلمى العليمي

باحثة متخصصة بالشؤون الأمريكية، الرئيس السابق لبرنامج الدراسات الأمريكية، باحث ماجستير في العلوم السياسية، حاصلة على بكالوريوس العلوم السياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، ودبلومة في الدراسات العربية، دبلومة من الجامعة الأمريكية في إدارة الموارد البشرية، نشرت العديد من الدراسات والأبحاث الخاصة في الشأن الأمريكي والعلاقات الدولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى